
القاهرة – الدليل نيوز
تداعيات هجوم هانوفر وأبعاد خطاب الكراهية
في بيان رسمي، أدان الأزهر الشريف بشدة هجوم هانوفر الأخير الذي وقع في ألمانيا، والذي استهدف مواطنًا من أصل عراقي في جريمة وصفها بـ”الإرهابية الغادرة”. وخطاب الكراهية العنصري الموجه ضد المسلمين في الدول الأوروبية.
وفي تفاصيل بيانه، وصف الأزهر حادث الطعن الذي تعرض له المواطن بأنه “جريمة إرهابية غادرة”، مؤكدًا على رفضه القاطع لكافة أشكال العنف والإرهاب والتمييز العنصري والديني. وربط الأزهر بين هذه الجرائم وبين ما وصفه بـ “تصاعد خطاب الكراهية العنصري” الذي تتبناه تيارات يمينية متطرفة في الغرب، والذي يخلق بيئة خصبة للعدوان على المسلمين ومقدساتهم.
ويأتي هجوم هانوفر ضمن سياق مقلق من تزايد حوادث الإسلاموفوبيا في عدد من الدول الأوروبية، حيث ترصد المراكز الإسلامية والمؤسسات الحقوقية تصاعدًا في جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين وممتلكاتهم ومساجدهم. وقد حذرت جهات دولية عديدة من أن الخطابات السياسية لليمين المتطرف تساهم بشكل مباشر في شحن الأجواء وخلق بيئة عدائية تسمح بوقوع مثل هذه الاعتداءات.
وتكمن أهمية بيان الأزهر الشريف في كونه يمثل صوتًا إسلاميًا عالميًا معتدلًا، حيث لم يكتفِ بالإدانة فحسب، بل قدم رؤية للحل تتمثل في مطالبة الحكومات الأوروبية بتحمل مسؤولياتها. فالدعوة لسن “تشريعات وقوانين رادعة” هي نقلة من مجرد الاستنكار إلى المطالبة بإجراءات قانونية ملموسة لحماية الأقليات المسلمة، وهو ما يضع الكرة في ملعب صناع القرار في أوروبا لإثبات جديتهم في مواجهة كافة أشكال التطرف، بما في ذلك “الإرهاب الأبيض” الذي لا يقل خطورة عن غيره.
من جانب آخر، يؤكد خبراء في شؤون الجماعات المتطرفة أن مواجهة ظاهرة “الإرهاب الأبيض” لا يمكن أن تتم عبر الحلول الأمنية فقط، بل تتطلب استراتيجية شاملة تبدأ من المناهج التعليمية، وتمر عبر وسائل الإعلام، وتنتهي بتعزيز خطاب الحوار والتعايش المشترك. فترسيخ قيم المواطنة المتساوية واحترام الآخر بغض النظر عن دينه أو عرقه هو الضمانة الحقيقية لتحصين المجتمعات ضد أفكار الكراهية والعنصرية التي أدت إلى وقوع **هجوم هانوفر** وغيره من الجرائم المماثلة.
واختتم الأزهر بيانه بالتأكيد على أن مواجهة هذه الأفكار المتطرفة وتجفيف منابعها هو مسؤولية مشتركة، بهدف إرساء قيم السلام والحوار والتعايش المشترك بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن أديانهم أو أعراقهم، مشددًا على أن أمن وسلامة المسلمين في الغرب جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار هذه المجتمعات.
دعوة الأزهر: خطوة نحو مواجهة الإرهاب الأبيض
وجه الأزهر الشريف دعوة عاجلة إلى الحكومات وصناع القرار في الدول الأوروبية، شدد فيها على ضرورة اتخاذ مواقف حاسمة وسريعة للتصدي لهذه الظاهرة المقلقة. وطالب البيان بسن تشريعات وقوانين رادعة تجرم بشكل واضح الاعتداء على المسلمين، وتضمن محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، باعتبارها السبيل الوحيد لوقف هذا المد الخطير الذي يهدد السلم المجتمعي.
الإرهاب الأبيض: مصطلح ضروري لكشف ازدواجية المعايير
إصرار الأزهر على استخدام مصطلح “الإرهاب الأبيض” لم يأتِ من فراغ، بل هو خطوة مقصودة لتسليط الضوء على ما يراه الكثيرون ازدواجية في المعايير الإعلامية والسياسية بالغرب. فبينما يتم وصف أي اعتداء يرتكبه شخص من خلفية مسلمة بـ”الإرهاب” بشكل فوري، غالبًا ما توصف الاعتداءات المماثلة التي يرتكبها متطرفون بيض بعبارات مخففة مثل “حادث فردي” أو “مختل عقليًا”. ومن خلال هذا المصطلح، يسعى الأزهر إلى فرض واقع جديد يؤكد أن الإرهاب لا دين له ولا عرق، وأن التطرف اليميني الأبيض يشكل خطرًا حقيقيًا ومنظمًا يستدعي نفس درجة الجدية في المواجهة.
دور الأزهر التاريخي في بناء جسور التواصل
هذا البيان الحاسم لا يمثل موقفًا جديدًا على مؤسسة الأزهر، بل هو امتداد لدوره التاريخي الذي يقوده فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في تعزيز الحوار والدفاع عن قيم السلام العالمي. فمن خلال وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية التي وقعها مع البابا فرنسيس، وصولًا إلى مؤتمراته الدولية التي تجمع قادة الأديان حول العالم، يعمل الأزهر باستمرار على بناء جسور التفاهم. لذلك، فإن إدانته الشديدة لحادث مثل هجوم هانوفر تأتي من منطلق حرصه على حماية هذه المكتسبات ومنع خطاب الكراهية من تقويض جهود التعايش السلمي.
تداعيات الهجوم على الاندماج والثقة المجتمعية
إن خطورة هجوم هانوفر وأمثاله لا تكمن فقط في الأذى الجسدي الذي يلحق بالضحايا، بل تمتد لتضرب عمق النسيج الاجتماعي في أوروبا. فهذه الجرائم تغذي الشعور بالخوف والاغتراب لدى الجاليات المسلمة، وتزيد من تآكل الثقة بينها وبين مؤسسات الدولة التي من المفترض أن تحميها. كما أنها تعرقل بشكل كبير جهود الاندماج الإيجابي، وتخلق بيئة من الشك المتبادل تخدم أجندات المتطرفين من كافة الأطراف، الذين يسعون دائمًا لإثبات استحالة التعايش بين أتباع الحضارات والأديان المختلفة.
المسؤولية المشتركة: ما وراء الحلول الأمنية
التصدي لظاهرة الإرهاب الأبيض يتطلب ما هو أبعد من مجرد الإدانة أو حتى التشريعات القانونية، رغم أهميتها. إنها مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية ووسائل الإعلام على حد سواء. وتتمثل هذه المسؤولية في تفكيك الخطاب العنصري في المناهج التعليمية، وتقديم تغطية إعلامية متوازنة ترفض شيطنة المسلمين، وتشجيع المبادرات المجتمعية التي تعزز التفاعل الإيجابي بين مختلف مكونات المجتمع. فالمواجهة الحقيقية تبدأ من العقول والقلوب، عبر ترسيخ فكرة أن أمن المجتمع كلٌ لا يتجزأ.
واختتم الأزهر بيانه بالتأكيد على أن مواجهة هذه الأفكار المتطرفة وتجفيف منابعها هو مسؤولية مشتركة، بهدف إرساء قيم السلام والحوار والتعايش المشترك بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن أديانهم أو أعراقهم.