“ترامب يتحدث عن اتفاق وشيك في غزة.. هل تنجح المفاوضات قبل زيارة نتنياهو لواشنطن؟”

اتفاق غزة على المحك.. تفاؤل ترامب يصطدم بـ”شيطان التفاصيل” قبل قمة واشنطن الحاسمة
في لفتة دبلوماسية مفاجئة، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شرارة أمل حذر في سماء مفاوضات غزة المعقدة، معلنًا عن إمكانية التوصل إلى اتفاق “خلال أيام”. هذه التصريحات، التي جاءت في توقيت استراتيجي يسبق زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن، لم تكن مجرد توقعات عابرة، بل كانت رسالة سياسية متعددة الأبعاد موجهة لجميع الأطراف: حان وقت الحسم.
لكن خلف هذا التفاؤل الرئاسي، يكمن “شيطان التفاصيل” الذي أفشل جولات سابقة من المباحثات. فبينما وصفت واشنطن رد حركة حماس على المقترح الأخير بـ”الإيجابي”، يظل السؤال الحقيقي معلقًا: هل هذا الإيجاب هو قبول بالمبدأ أم مجرد مناورة تكتيكية لكسب الوقت وإعادة ترتيب الأوراق قبل جولة جديدة من المفاوضات الشاقة؟
قراءة في تصريحات ترامب: بين الأمل والضغط السياسي 🇺🇸
عندما يتحدث رئيس الولايات المتحدة عن اتفاق وشيك، فإن كلماته تحمل وزنًا يتجاوز مجرد التمني. تصريح ترامب بأن “هناك اتفاق قد يتم بحلول الأسبوع المقبل” يمكن قراءته من عدة زوايا:
- ضغط على إسرائيل: تأتي هذه التصريحات لتضع نتنياهو أمام مسؤولياته قبل وصوله إلى واشنطن، وتوضح له أن الإدارة الأمريكية لن تقبل باستمرار الوضع الراهن.
- رسالة لحماس: وصف ترامب رد الحركة بـ”الإيجابي” هو بمثابة إشارة إلى أن واشنطن تأخذ موقفهم على محمل الجد، وتشجيع لهم على المضي قدمًا في مسار التفاوض.
- استهلاك محلي ودولي: تسعى الإدارة الأمريكية لإظهار نجاح دبلوماسي في واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا على الساحة الدولية، خاصة مع استمرار الحرب لقرابة 21 شهرًا.
ومع ذلك، أقر ترامب نفسه بأنه “لم يتم إطلاعه على الوضع الحالي للمفاوضات”، مما يترك الباب مفتوحًا أمام تفسير تصريحاته بأنها تهدف إلى خلق زخم سياسي أكثر من كونها انعكاسًا لواقع ملموس على طاولة المفاوضات.
“يتعين علينا فعل شيء ما بخصوص غزة. نرسل الكثير من المال والكثير من المساعدات.” – الرئيس دونالد ترامب
معضلة حماس: بين الهدنة المؤقتة والحل الدائم 🇵🇸
تكمن المعضلة الأساسية لحركة حماس في كيفية تحويل الهدنة المؤقتة المقترحة لمدة 60 يومًا إلى حل دائم يضمن وقفًا شاملاً لإطلاق النار وانسحابًا إسرائيليًا كاملاً. بيان الحركة الذي وصف ردها بـ”الإيجابي” كان دبلوماسيًا بامتياز، حيث وافق على “إطار” الاتفاق، لكنه ربط التنفيذ بمفاوضات إضافية.
كشف مسؤول في الحركة أن النقاط العالقة التي تحتاج إلى حسم لا تزال هي جوهر الصراع:
- نسبة تبادل الأسرى: تحديد عدد الأسرى الفلسطينيين، وخاصة من ذوي الأحكام العالية، الذين سيتم إطلاق سراحهم مقابل كل رهينة إسرائيلي.
- ضمانات ما بعد الهدنة: إصرار حماس على الحصول على ضمانات دولية (ربما من الولايات المتحدة وقطر ومصر) بأن إسرائيل لن تستأنف عملياتها العسكرية بعد انتهاء الـ 60 يومًا.
- آلية إدارة غزة: وهي النقطة الأكثر حساسية، والمتعلقة بمستقبل السلطة في القطاع بعد الحرب.
إن إصرار حماس على بدء مفاوضات الحل الدائم “منذ اليوم الأول للهدنة” يعكس الدرس المستفاد من انهيار هدنة يناير، حيث تم تنفيذ المرحلة الأولى فقط قبل أن تعود إسرائيل لاستئناف الحرب.
موقف نتنياهو: توازن دقيق بين الحلفاء والخصوم 🇮🇱
يجد بنيامين نتنياهو نفسه يسير على حبل مشدود. فهو بين ضغط الحليف الأمريكي الأكبر الذي يطالب بإنهاء الأزمة، وبين ضغط شركائه في الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف الذين يهددون بإسقاط الحكومة إذا تم التوصل إلى اتفاق لا يتضمن “القضاء الكامل على حماس ونفيها من السلطة”.
زيارته لواشنطن لن تكون سهلة. سيحاول نتنياهو إقناع الإدارة الأمريكية بأن أي اتفاق يجب أن يضمن أمن إسرائيل على المدى الطويل، بينما سيحاول في نفس الوقت تسويق أي تنازلات يقدمها لجمهوره الداخلي على أنها “انتصار تكتيكي”. تصريحات وزير دفاعه بأن إسرائيل “ستعمل على ألا تبقى حماس في غزة مرة أخرى” هي جزء من هذه الاستراتيجية المزدوجة.
خاتمة: أيام حاسمة تنتظر غزة والمنطقة
العالم يراقب الآن بترقب شديد. الأيام القليلة القادمة ستكشف ما إذا كان تفاؤل ترامب مبنيًا على معطيات حقيقية، أم أنه سيصطدم مرة أخرى بجدار المطالب المتناقضة. إن التوصل إلى اتفاق في غزة لن يكون مجرد نهاية لأزمة إنسانية، بل سيعيد رسم ملامح التوازنات السياسية في الشرق الأوسط بأكمله. الكرة الآن في ملعب الدبلوماسية، والجميع يأمل ألا يكون مصيرها كمصير الجولات السابقة.