حضارة وتاريخأخبارسلايدر

ضبط 577 قطعة أثرية ناتج الحفر خلسة جرس إنذار “الحفر والتهريب مستمر”

بقلم/ د. عبد الرحيم ريحان

صورة توضيحية لقطع أثرية مصرية قديمة مع يد تحاول إخفائها، ترمز إلى جهود مكافحة تهريب الآثار والحفر خلسة لحماية الآثار المصرية.مقدمة: ضبط 577 قطعة أثرية جرس إنذار لعمليات التنقيب غير المشروعة

اعترف تاجر أدوات منزلية بمحافظة المنيا بقيامه بأعمال الحفر خلسة والتنقيب غير المشروعة عن المقتنيات التاريخية في منطقة جبلية بشرق النيل واستخراجه 577 قطعة أثرية متنوعة، مؤكدًا نيته بيعها لتحقيق مكاسب مادية، وذلك بعد ضبطه داخل مسكنه وبحوزته الكنز كاملاً.

يمثل هذا الضبط الأخير جرس إنذار خطير يؤكد أن ظاهرة التنقيب غير المشروع وتهريب الآثار لا تزال مستمرة وتتطلب استجابة حازمة. تتم معظم هذه العمليات حاليًا عن طريق الحفريات السرية التي انتشرت بشكل جنوني بعد فوضى 2011، وفي ظل انتشار فتاوى دينية تحلل هذا العمل الإجرامي. إن كارثة الحفريات غير القانونية تتمثل في صعوبة استرجاع القطع لو تم نقلها إلى الخارج إلا عبر العلاقات الودية، لأنها تكون غير مسجلة. أمّا المقتنيات التي تسرق من المتاحف أو المواقع التاريخية، فهي مسجلة ويسهل عودتها حين ظهورها في أي مكان في العالم. كما أن هناك كنوزًا في حيازة أصحابها، ومعظمهم يقوم بتدمير دفاتر الحيازة لتسهيل نقلها، وهي من القطع التي يصعب استردادها أيضًا، مما يعمق من حجم المشكلة وتحديات حماية الآثار.

فتاوى مضللة وتأثيرها على التراث المصري

ساهم في انتشار ظاهرة التنقيب السري، انتشار الفتاوى من غير المتخصصين بأن المقتنيات التاريخية تعتبر من الركاز في الإسلام، وهو ما وجد مدفونًا في الأرض من مال الجاهلية، ويقصد بها حضارات ما قبل الإسلام. وقد أوجب الشرع فيه عند استخراجه الخُمس زكاةً والباقي لمن استخرجه إن كان استخراجه من أرضٍ يملكها أو من خربة أو من أرض مشتركة كالشارع وغيره. ولكن هذا التعريف لا ينطبق على الآثار المصرية لأن التراث القديم يضم مقتنيات من مواد وأشكال مختلفة ولا تقتصر على العملات فقط.

كما أن تحديد فترة تاريخية للركاز لما قبل الإسلام يؤكد أن التراث الأثري ليس ركازًا، لأنه يضم كل العصور التاريخية بما فيها العصر الإسلامي. وقد حذر علماء الدين أنفسهم من الطرق غير الشرعية لاستخراج هذه الكنوز من الاستعانة بالسحرة والكهنة والمشعوذين، مما يوجب استحقاق الإثم العظيم على فاعله، وبالتالي فإن التنقيب للبحث عن الكنوز حرام شرعًا لأنه يؤدي بصاحبه إلى اقتراف الذنوب والتهلكة ويهدد حماية الآثار الوطنية. كما أن إقامة الجدار المذكورة في سورة الكهف آية 77، والتي يتخذها البعض للخلط بين المقتنيات التاريخية والركاز، هي تأكيد القرآن الكريم على أن الركاز يختلف عن التراث الأثري، وأن هناك دعوة للحفاظ على تراث الأجيال القادمة، حيث أقام العبد الصالح الجدار ليحمي ما تحته من كنوز ليستخرجها أصحاب الحق في ذلك. وصاحب الحق في استخراج التراث الأثري هي الدولة فقط ممثلة في الجهة المعنية بذلك وليست الأفراد، مما يعني التحريم القطعي للأفراد للبحث عن هذه الكنوز ويؤكد ضرورة مكافحة تهريب الآثار.

الجانب التشريعي ودعم حماية التراث الأثري

يتوافق الجانب التشريعي تمامًا مع التفسير الديني بشأن حماية الآثار. حيث جاء في المادة 32 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته: “يتولى المجلس (المجلس الأعلى للآثار) الكشف عن التراث الأثري الكائن فوق سطح الأرض، والتنقيب عما هو موجود منها تحت سطح الأرض وفي المياه الداخلية والإقليمية المصرية”.

ويجوز للمجلس أن يرخص للهيئات العلمية المتخصصة والجامعات الوطنية منها والأجنبية بالبحث عن التراث أو التنقيب في مواقع معينة ولفترات محددة، وذلك بعد التحقق من توافر الكفاية العلمية والفنية والمالية والخبرة الأثرية، ويكون لهذه الهيئة حق النشر العلمي فقط للمقتنيات المكتشفة. هذا يؤكد أن أي عمل يتعلق بالتراث الأثري بدون ترخيص هو عمل غير قانوني ويعرض صاحبه للمساءلة، ويعكس التزام الدولة بحماية الآثار المصرية من أي محاولات ل الحفر خلسة أو تهريب الآثار، ويعزز من دور المؤسسات المتخصصة في هذا المجال الحيوي.

عصابات دولية وأساليب متطورة في سرقة المقتنيات التاريخية

بدأت العصابات الدولية تتبنى هؤلاء العملاء المهووسين بأعمال التنقيب السري لتطور لهم عمليات البحث عن طريق استخدام أدوات حديثة ومتطورة. من هذه الأدوات أجهزة حديثة للكشف عن المعادن مخصصة في الأصل لاستخدامات الجيولوجيين ومهندسي البترول، لكنها أصبحت متداولة في أيدي المنقبين. وهناك شركات تعلن عن هذه الأجهزة صراحة، مما يسهل على المجرمين الحصول عليها. هذا التطور في الأساليب يزيد من خطورة الاتجار غير المشروع بالمقتنيات ويتطلب من السلطات المعنية تطوير أساليبها لمواجهة هذه الشبكات الإجرامية الدولية التي تستهدف كنوز الآثار المصرية التي لا تقدر بثمن، مما يستدعي استراتيجيات أمنية وتقنية متقدمة لمواجهة هذا التحدي المتصاعد الذي يهدد التراث.

تحديات الإبلاغ عن المقتنيات المكتشفة

هناك ضرورة لتعديل بنود في قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 لمواجهة التنقيب غير المشروع، حيث أن مكافأة تسليم المقتنيات الأثرية هزيلة جدًا. وطبقًا للمادة 24 من قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 وتعديلاته، فإن الحالات التي توجب المكافأة هي العثور على أثر منقول مصادفة وإخطار أقرب سلطة إدارية، والعثور على جزء أو أجزاء من أثر ثابت وإخطار أقرب سلطة إدارية.

وطبقًا للمواد 24 و44 من قانون حماية الآثار، فإن المجلس الأعلى للآثار هو الجهة التي تمنح المكافأة مقابل الإبلاغ عن العثور على أثر، وذلك بعد قيام اللجنة الدائمة المختصة بتحديد قيمة المكافأة. غالبًا لا تكون بقيمة العمل العظيم الذي يقوم به المبلغ، مما يؤدي للتغاضي عن الإبلاغ لأن العائد لا يساوي المشاكل التي ربما يتعرض لها. وفي معظم القرى يعرفون الشخص الذي يقوم ب الحفر خلسة وما ظهر عليه من ثراء فجائي، ورغم ذلك لا يقومون بالإبلاغ عنه، مما يشجع على استمرار تهريب الآثار ويضع عبئًا إضافيًا على جهود حماية الآثار المصرية، ويعيق جهود الدولة في الحفاظ على تراثها الثقافي.

تغليظ العقوبة لمكافحة التنقيب السري وسرقة التراث

تعتبر عقوبة التنقيب غير المشروع الحالية غير رادعة، والمطلوب تغليظ العقوبة الحالية في المادة 44 من القانون التي تنص على أنه يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه كل من قام بأعمال حفر بقصد الحصول على المقتنيات التاريخية دون ترخيص أو اشترك في ذلك. ويعاقب بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه إذا كان الفاعل من العاملين بالمجلس الأعلى للتراث أو من مسئولي أو موظفي أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو من عمالهم. يجب أن تكون عقوبة البحث عن المقتنيات الأثرية بشكل عشوائي وغير علمي ودون ترخيص من المجلس الأعلى للتراث هي السجن المؤبد للأشخاص العاديين والإعدام لو كان من العاملين بالتراث، باعتبارها خيانة عظمى من الأمين على هذا الإرث الحضاري. هذا التغليظ ضروري لخلق رادع حقيقي لوقف تهريب الآثار وحماية كنوز مصر من الضياع، ويجب أن يطبق هذا القانون بحزم لضمان حماية الآثار القومية والحفاظ على إرث الأجداد للأجيال القادمة.

متاحف خاصة لتعزيز حماية التراث المصري

هناك حلول مطلوبة على المستوى المحلي منها تعديل بنود قانون حماية الآثار بإضافة بنود جديدة بأحقية إنشاء المجموعات والمتاحف الخاصة. بحيث يقوم كل شخص لديه مقتنيات تاريخية من ممتلكاته بتقوم وزارة السياحة والآثار بتسجيلها والسماح له بإنشاء متحف خاص أو مجموعة خاصة باسمه، له الحق في عرضها والتربح منه كمتاحف مستقلة تحت إشراف وزارة السياحة والآثار. وبذلك تضمن الوزارة خروج كل القطع الأثرية المخبئة من ممتلكات شخصية في مصر إلى النور، ومنع تهريب الآثار والاستفادة منها ماديًا بزيادة الثروة المتحفية في مصر العامة والخاصة، مما يسهم بشكل كبير في حماية الآثار المصرية وتوثيقها بشكل رسمي وفتح آفاق جديدة للاستثمار الثقافي الذي يعود بالنفع على البلاد.

“شرطة مكافحة تهريب الآثار” وجهود تضافرية لحماية الكنوز

هناك حاجة ماسة لتدخل القوات المسلحة بمعداتها لحماية المواقع التاريخية ومنع االحفر خلسة وتهريب الآثار، خاصة في المناطق النائية. كما يجب إنشاء شرطة خاصة تحت اسم “شرطة مكافحة تهريب الآثار” تكون مهمتها منع الاتجار وسرقة المقتنيات التاريخية، وتحويل إدارة القطع المستردة بوزارة السياحة والآثار إلى هيئة مستقلة تضم آثاريين وقانونيين متخصصين في القانون الدولي.

هذه الخطوات ضرورية لضمان حماية الآثار المصرية من الضياع والاتجار غير المشروع، وتأكيد السيادة المصرية على تراثها الحضاري العظيم الذي يمثل جزءاً لا يتجزأ من الإرث العالمي، وتوفير نظام فعال وقوي لمواجهة هذه الجرائم المنظمة التي تهدد الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد، وتضمن بقاء هذا الكنز للأجيال القادمة.

محتويات المقال:

القسم الرابط
مقدمة: ضبط 577 قطعة أثرية جرس إنذار لعمليات التنقيب غير المشروعة انتقل إلى القسم
فتاوى مضللة وتأثيرها على التراث المصري انتقل إلى القسم
الجانب التشريعي ودعم حماية التراث الأثري انتقل إلى القسم
عصابات دولية وأساليب متطورة في سرقة المقتنيات التاريخية انتقل إلى القسم
تحديات الإبلاغ عن المقتنيات المكتشفة انتقل إلى القسم
تغليظ العقوبة لمكافحة التنقيب السري وسرقة التراث انتقل إلى القسم
متاحف خاصة لتعزيز حماية التراث المصري انتقل إلى القسم
“شرطة مكافحة تهريب الآثار” وجهود تضافرية لحماية الكنوز انتقل إلى القسم

انضم إلى متابعينا وكن أول من يعلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights