
شهدت الأيام القليلة الماضية تطورات هامة جديدة فيما يخص الجانب القانوني لقضية كيرلس حشمت وذلك بعدما عندما تقدم الدكتور نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، بطلب رسمي إلى مدير إدارة القضاء العسكري، يطالب فيه بإلغاء الحكم الصادر بحق كيرلس حشمت لبيب نصر الله وسلطان محمد محمد أحمد، المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”قضية تابلت وزارة التعليم”، والمسجلة تحت رقم 16 لسنة 2024 جنايات عسكرية شرق القاهرة.
وكانت المحكمة قد أصدرت حكمًا غيابيًا على المتهمَين جاء فيه بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا، بتهمة إخفاء أشياء ناتجة عن جريمة سرقة. وقد أكدت المذكرة القانونية التي قدمها جبرائيل أن هذا الحكم صدر دون توفر ما يثبت توافر القصد الجنائي لدى المتهمين، وهو ما اعتبرته المنظمة الحقوقية إخلالاً بضمانات العدالة.
تعتبر المذكرة التي وقّع عليها نجيب جبرائيل وعدد من النشطاء الحقوقيين والشخصيات العامة، أبرزت غياب الأدلة الجازمة على علم كيرلس حشمت وسلطان محمد بأن الأجهزة الإلكترونية موضوع القضية مسروقة، بل أشاروا إلى أن كيرلس، المعروف إعلاميًا باسم “كوكو”، أبدى تعاونه الكامل مع جهات التحقيق وقام بإعادة كافة الأجهزة فور اكتشافه حقيقتها، وأعلن ذلك أمام الجميع عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي.
وأكدت المذكرة أن المتورط الأساسي في القضية، الذي ذكر بالتحقيقات، لم ينل العقوبة الأشد مقارنة بالمتهمين الآخرين، رغم أن الأخيرين تعاملا مع البضائع بشكل علني وعبر البث المباشر، ودون معرفة عن كون الأجهزة مسروقة.
بث مباشر من الصين
خرج كيرلس حشمت ليوضح لمتابعيه ملابسات الموقف، مؤكدًا أنه تعرض لاحتيال من أحد الموردين الذي قدم له الأجهزة على أنها بضائع جمركية رسمية، ومصحوبة بأوراق تثبت قانونيتها. وأكد حشمت أنه لم يتردد في إعادة ما تبقى لديه من الأجهزة فور معرفته بحقيقتها، وطلب من متابعيه الذين اشتروا تعليمات بإرجاعها، وهو ما استجاب له العديد منهم.
تعود تفاصيل القضية إلى بلاغ صادر عن مسؤول الشؤون المالية في وزارة التربية والتعليم، كشف فيه عن سرقة 1100 جهاز تابلت من مخازن الوزارة بمدينة السادس من أكتوبر. وتوصلت التحقيقات إلى أن الواقعة تورط فيها اثنان من موظفي الوزارة، اللذان سلما الأجهزة إلى وسطاء أوصلوها بدورهم إلى كيرلس وشريكه سلطان. الغريب أن بعض هؤلاء الوسطاء أُفرج عنهم بزعم حسن النية، في حين عوقب كيرلس وسلطان بأشد العقوبات رغم عدم وجود ما يثبت علمهما بالجريمة.
وعلى جانب آخر، جاءت شهادات ضباط الشرطة لتدعم موقف الدفاع؛ حيث أدلى العميد أحمد السيد، مدير مكافحة الأموال العامة بالجيزة، والرائد محمد توفيق محمد، معاون مباحث قسم أول أكتوبر، بشهادتهما أمام المحكمة التي أكدوا فيها أن كيرلس حشمت لم يكن يملك أي علم بأن الأجهزة تم الاستيلاء عليها من مخازن وزارة التربية والتعليم، وأن شراءه لها جاء بحسن نية خالصة. واعتبرت المذكرة هذه الشهادات دليلاً قاطعًا على براءة النية، واعتبرتها تدعم الطلب بإلغاء الحكم الذي رأت فيه افتقارًا للدقة في تقدير وقائع الدعوى.
وحظيت القضية باهتمام واسع من الرأي العام، إذ تصدرت نقاشات منصات التواصل الاجتماعي، وتوالت المطالبات بإعادة المحاكمة وإحقاق العدالة. كما أيد عدد من الرموز الحقوقية والفكرية المذكرة، ومن بينهم طارق حجي وسوزان عزيز وعدد من القانونيين البارزين داخل مصر وخارجها.
وأكد الدكتور جبرائيل أن تحركات منظمته تأتي دعمًا لمبادئ العدالة والشفافية، مجددًا ثقته في القضاء العسكري، ومطالبًا بإعادة النظر في القضية حتى لا يُظلم أبرياء لم يكن لهم دور جنائي في الواقعة.
وقدمت المذكرة عدة إرشادات قانونية في مثل هذه القضايا، منها أنه لا يجوز الإدانة في تهمة “إخفاء أشياء مسروقة” من دون دليل قاطع على علم المتهم بأن المضبوطات مسروقة. كما أشارت إلى أن إقرار الضباط بعدم توافر القصد الجنائي يُعد قرينة قوية لصالح المتهم، وأن عودة المتهم الطوعية وتسليم نفسه يمثلان نقطة إيجابية لصالحه أخلاقيًا وقانونيًا، علاوة على أن عرض الأجهزة بشكل معلن وأمام الجمهور ينفي عنهم تهمة سوء النية أو التواطؤ.
وفي ظل ما توفر من شهادات رسمية وتصريحات المتهمَين ودعم واسع من شخصيات حقوقية وقانونية، تزداد القناعة بأن الحكم في قضية تابلت وزارة التعليم بحق كيرلس حشمت وسلطان محمد استند إلى معطيات غير كافية، وأن تحركات جبرائيل الرسمية تمثل فرصة لإصلاح مسار العدالة، وتصب في صالح عدم معاقبة أي بريء بجرم لم يرتكبه. وينتظر مجتمع حقوق الإنسان والمتابعون بفارغ الصبر قرار القضاء العسكري في قضية تحولت إلى نموذج لمناصرة العدالة ضد أي تعثر في التطبيق القضائي.