الطلاق في مصر.. أزمة صامتة تهز البيوت وتقلق المجتمع
ارتفاع نسب الطلاق في مصر يثير القلق.. الأسباب الحقيقية وراء الأزمة الاجتماعية المتصاعدة

تقرير : منصور عبد المنعم
تشهد مصر في السنوات الأخيرة ارتفاعًا متسارعًا في معدلات الطلاق، حتى باتت الظاهرة تُثير قلق المختصين والمهتمين بالشأن الاجتماعي.
فالأمر لم يعد مجرد أرقام تُسجّل في دفاتر المحاكم، بل أصبح جرس إنذار يدقّ بقوة في كل بيت، معلنًا عن أزمة عائلية ومجتمعية تحتاج إلى مواجهة جادة وشاملة.
إحصاءات تدق ناقوس الخطر
تُظهر البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسب الطلاق في مصر ارتفعت خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تقارب 15%، لتسجّل البلاد أكثر من 200 حالة طلاق يوميًا، أي بمعدل حالة كل خمس دقائق تقريبًا.
ويُعد هذا الرقم من أعلى المعدلات في المنطقة العربية، حيث أصبحت مصر تتصدر قائمة الدول التي تشهد زيادات ملحوظة في حالات الانفصال الأسري.
وتشير الإحصاءات إلى أن أغلب حالات الطلاق تقع في السنوات الأولى من الزواج، وخاصة بين الأزواج الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة والثلاثين.
ويرى الخبراء أن هذه الفئة العمرية تتسم بالحساسية العاطفية والتسرع في اتخاذ القرارات، فضلًا عن ضعف الخبرة في مواجهة الأزمات الزوجية.
أسباب متشابكة ومتعددة
لا يمكن إرجاع ارتفاع نسب الطلاق إلى سبب واحد، فالعوامل متداخلة ومعقدة، تجمع بين الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
في مقدمة هذه الأسباب تأتي الضغوط الاقتصادية التي تثقل كاهل الأسر الشابة، من غلاء الأسعار، وصعوبة توفير مسكن مستقل، وارتفاع تكاليف المعيشة.
هذه الأعباء المادية كثيرًا ما تتحوّل إلى خلافات يومية تؤدي إلى توتر العلاقة وانهيارها بمرور الوقت.
أما العامل الثاني، فهو تغيّر المفاهيم حول الزواج ذاته؛ فالكثير من الشباب باتوا يدخلون الحياة الزوجية بروح التجربة لا بروح الالتزام، ويعتبرون الانفصال خيارًا سهلاً عند أول خلاف.
كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مؤثرًا في تفاقم الأزمة، إذ فتحت الباب أمام المقارنات والشكوك، وأضعفت الثقة بين الزوجين، وأدخلت عناصر خارجية في تفاصيل الحياة الخاصة.
وتشير دراسات اجتماعية إلى أن التدخل الزائد من الأهل، وخاصة من طرف الزوج أو الزوجة، يُعد من أبرز الأسباب التي تشعل الخلافات، إذ يفقد الطرفان خصوصيتهما واستقلال قراراتهما.
كما أن ضعف الوعي الديني والتربوي حول أهمية الصبر والتفاهم في الحياة الزوجية جعل الكثيرين يلجؤون إلى الطلاق كحل أول لا كملاذ أخير.
الطلاق الإلكتروني وتداعياته
من الظواهر الحديثة التي لفتت الانتباه خلال الأعوام الأخيرة، ما يُعرف بـ”الطلاق الإلكتروني” أو الطلاق عبر الرسائل النصية ومواقع التواصل.
وقد أكدت دار الإفتاء المصرية أن هذه الممارسات لا تُؤخذ على إطلاقها، وأن الطلاق لا يقع إلا إذا صدر بوعي كامل واستوفى شروطه الشرعية.
كما حذّرت من الاستهانة بالكلمة، وذكّرت بأن “الطلاق جدّه جدّ وهزله جدّ”، في إشارة إلى خطورة التفريط في هذا الميثاق الغليظ.
آثار اجتماعية ونفسية خطيرة
الطلاق لا يُخلّف ضحيتين فقط، بل يمتد أثره إلى الأبناء والمجتمع بأسره.
فالأطفال الذين يعيشون تجربة الانفصال غالبًا ما يعانون اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، وصعوبة التكيّف في المدرسة والمجتمع.
كما أن غياب أحد الأبوين يؤدي إلى اهتزاز الشعور بالأمان وفقدان النموذج الأسري المتكامل.
وتؤكد الدراسات أن الأطفال أبناء الأسر المنفصلة أكثر عرضة للانحراف السلوكي أو الانغلاق الاجتماعي، وهو ما يشكّل تهديدًا للمستقبل الاجتماعي للدولة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتؤدي كثرة حالات الطلاق إلى زيادة الأعباء على الدولة من خلال دعم الأسر المعيلة، وارتفاع معدلات الطلب على المساعدات الاجتماعية.
جهود الدولة للحد من الظاهرة
لم تقف الدولة المصرية مكتوفة الأيدي أمام هذه الظاهرة، بل أطلقت العديد من المبادرات والبرامج للتوعية والتأهيل الأسري.
ومن أبرزها برنامج “مودة“ الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي بهدف تأهيل الشباب المقبلين على الزواج وتعليمهم أسس التواصل وحل الخلافات بطرق ناضجة.
كما يشارك المجلس القومي للمرأة والأزهر الشريف والكنيسة المصرية في حملات توعية تؤكد أهمية الحفاظ على كيان الأسرة وتجنب الانفصال إلا للضرورة القصوى.
كذلك، بدأت المحاكم الأسرية في تطبيق أنظمة جديدة للصلح الإجباري قبل إصدار حكم الطلاق، حيث يتم استدعاء الطرفين لجلسات استماع وإرشاد أسري بإشراف مختصين نفسيين واجتماعيين، في محاولة لتقليل نسب الانفصال.
مسؤولية مشتركة
الطلاق، رغم كونه حقًا مشروعًا، إلا أنه جرح اجتماعي عميق إذا تكرر بلا سبب وجيه.
إن الحفاظ على الأسرة مسؤولية لا تقع على الزوجين وحدهما، بل تمتد إلى الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية التي يجب أن تعزز ثقافة التفاهم والتسامح والتخطيط قبل الزواج.
فالأسرة هي الخلايا الأولى لبنية المجتمع، وإذا ضعفت تماسكها، تهاوى الجسد كله.
ربما لا نستطيع منع الخلافات، لكننا نستطيع أن نزرع في القلوب قدرة على الصبر والحوار، لأن كل بيت يُنقَذ من الطلاق هو ركيزة تُضاف لاستقرار الوطن.