مصر ماقبل التاريخ سبب تسميتها بهذا الأسم
تعود الإنسان في الشرق العربي القديم أن يستنبط تسمية للأماكن من أخص صفة فيها، ولما كانت أرض مصر رسوبية سوداء؛ فقد أطلق الإنسان المصري على بلده اسم كمت أي السوداء أو تحبباً السمراء. كما أطلق المصري القديم على مصر أسماء هي ألقاب مقدسة، تنم على إعجاب وتشريف. أما تسمية مصر فقد جاءت من بلاد الشام حيث ورد اسم مصر لأول مرة في رسالة بعث بها «رب عدي» أمير جبيل إلى إخناتون (ح. 1367- 1347 ق.م) بصيغة (ماتو مصري) وماتو لفظة أكادية تعني الأرض، وبعد ذلك وردت هذه التسمية في النصوص الفينيقية والآشورية والكلدانية والمعينية والآرامية والسريانية، أما العرب فقد سمّوها مصر، وشاعت في اللغات الغربية التسمية Egypt للدلالة على مصر، فسمّاها اليونان والرومان «آيجيبتوس» ثم شاعت في اللغات الأوربية المعاصرة (Aegypten¨ Egypt Egypte¨ Egipto).
مصر قبل التاريخ
لمصر وبلاد الرافدين والشام مكانة في سجل الحضارة البشرية القديمة لا تدانيها مكانة، فقد حملت شعوب هذه البلاد مشعل الحضارة آلاف السنين وضعت في أثنائها القواعد الرئيسة لأسس الحضارة الإنسانية في الكتابة واللغة والفن والدين والإدارة والعلوم التطبيقية والعمارة.
وقد دلت الدراسات الأثرية على أن الإنسان سكن مصر منذ بداية العصور الحجرية القديمة، وتبين الدراسة المقارنة لجماجم يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل الأسرات (4000ق.م) والعصور التاريخية؛ أن مصر سكنت بعنصرين رئيسين: الأول إفريقي وكانت له جماجم متطاولة، والآخر جاء من شرق مصر وله جماجم مستديرة، وقد طغى الأخير على العنصر الأقدم (الزنجي)، وأكد الباحثون رأيهم هذا من خلال الآثار الرافدية والشامية التي عُثر عليها في مصر، فضلاً عن الخصائص اللغوية العربية الموجودة في اللغة المصرية القديمة، سواء من حيث المفردات أم النحو، وكذلك عبادة الآلهة التي أدخلها المهاجرون العرب الشرقيون إلى مصر، وكان من أعظم الآلهة «الإله حورس» (إله عربي شرقي وصفه الدميري في كتابه «الحيوان» وصفاً ينطبق على الصقر الحر العربي تسمية وشكلاً).
أما فيما يتعلق باللغة والكتابة المصريتين، فقد تأثرت اللغة المصرية بالمهاجرين الذين قدموا إلى مصر منذ نهايات العصور الحجرية، نتيجة للجفاف الذي ألمَّ بمنطقة الصحراء الكبرى الإفريقية، كما وصلت إلى مصر هجرات قدمت من بلاد الشام عن طريق سيناء وطريق باب المندب والبحر الأحمر عموماً، وهكذا طُبعت اللغة المصرية القديمة بطابع عربي سواء بنحوها أم مفرداتها، وقد أطلق اليونان على الكتابة المصرية اسم (الكتابة الهيروغليفية) التي اشتقت منها كل الكتابات اللاحقة في مصر (الهيراطيقية، الديموطيقيه)، وفي العصر البطلمي استخدم المصريون الكتابة القبطية، وقد سادت هذه الكتابة حتى بداية العصر الإسلامي بمصر.
عده المملكة القديمة بني فيها أبو الهول وأهرامات الجيزة.
إن تاريخ مصر هو سلسلة مترابطة الحلقات، وإنجاز كل عصر فيه يرتكز على ما قدمته العصور السابقة، ولا يمكن لأي باحث بتاريخ مصر أن يحيط به ويفهمه إلا إذا بدأ بدراسة أقدم حلقة فيه، وهي العصور الحجرية. [2]
العصور الحجرية القديمة
بسبب طول هذه العصور، فقد قسمها الباحثون إلى ثلاثة عصور (العصر الحجري القديم الأسفل والأوسط والأعلى) وقد عثر الباحثون على آثار العصر الأول (2300000- 100000ق.م) في الصحارى المصرية، أوفي التلال القريبة من الوادي، وتتكون من فؤوس حجرية، بعضها مهذب بحيث أصبح للفأس ثلاثة أوجه وشكلها العام هرمي، أما آثار العصر الحجري الأوسط (100000- 35000ق.م) في مصر، فكان أغلبها على شكل رقائق تمثل نصالاً، ذات هندسية صغيرة الحجم، ومما هو جدير بالذكر أن الباحثين لم يعثروا على هياكل عظمية للإنسان الذي عاش في مصر في العصرين السابقين، وفيما يخص العصر الحجري القديم الأعلى (35000- 12000 ق.م) فقد اكتُشفت آثاره في جنوبي مصر.
العصر الحجري المتوسط
يمتد هذا العصر من 12000 إلى 8000 ق.م، ويعدّ مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم الأعلى والعصر الحجري الحديث، وقد شملت آثاره الأدوات الحجرية الصغيرة الدقيقة الحادة؛ ذات الأشكال الهندسية المختلفة التي سادت في العصر السابق.
العصر الحجري الحديث
يمتد هذا العصر في مصر من 8000 إلى 3200 ق.م، وقد تعددت إبداعات الإنسان الحضارية وتنوعت في هذا العصر، بحيث يمكن القول إن ثورة حضارية متعددة المظاهر قامت في هذا العصر، فقد أصبح الجفاف في المشرق العربي القديم حقيقة واقعة، مما دفع الإنسان إلى إبداع الزراعة كي يوفر غذاءه بنفسه، فالطبيعة أصبحت غير قادرة على تقديم الطعام له، ولذلك هاجر الإنسان من الصحارى إلى السهل الرسوبي على جانبي النيل والدلتا، بعد أن أخذ النيل شكل مجراه الحالي منذ نحو 14000ق.م، وقد اضطرته الزراعة إلى إقامة المسكن بجانب زرعه، ومن تجمع المساكن نشأت القرى والمدن، كما دفعه فائض محصوله إلى إبداع الفخار لحفظه. وهكذا نشأت التخصصات وقامت المشاغل لإنتاج الفخار والأدوات الزراعية وأدوات الزينة، مما أدى إلى نشوء الحرف، وأخيراًً لابد من الإشارة إلى ظهور الإدارة في هذا العصر، وقد ساعد على وجود إدارة مبكرة في مصر عاملان رئيسان: الأول حاجة المجتمع الزراعي إلى الأمن الذي يحفظ له محصوله من عبث العابثين، والثاني طبيعي يتمثل بإحاطة مصر بصحراوين قاحلتين، لا يستطيع الإنسان تجاوزهما؛ لأن جفاف الصحراء سيقتله. وينبغي الإشارة إلى أن البذور الأولى في الفن والدين والإدارة والكتابة واللغة قد نمت في هذا العصر،الذي يمثل آخره مرحلة العصر الحجري النحاسي 4500-3200 ق.م، وسُمّي كذلك لأن المصري تعرّف استخراج النحاس من فلذاته واستخدامه في صناعة أدواته إلى جانب الحجر، وقد سادت في هذا العصر حضارتان الأولى: «حضارة نقادة» قامت في أقصى جنوبي مصر بالصعيد، ولذلك كانت نشأتها ذاتية لم تؤثّر ولم تتأثر بغيرها من الحضارات، والثانية «حضارة جرزة» قامت في شمالي مصر، ولذلك أثّرت وتأثرت بالحضارة الرافدية والسورية، ويشهد على ذلك الآثار الصوانية والمقامع الفلسطينية والآثار الرافدية المتعددة من فخار وأختام أسطوانية ومظاهر فنية، وقد عدَّ الباحثون وصول هذه الآثار إلى مصر دليلاً على وصول هجرة بشرية عظيمة إليها من المشرق العربي القديم، وقد حملت معها إلهها حور الذي مثلَّه الصقر الحر العربي في الحضارة المصرية القديمة، ولذلك سُمّي المهاجرون «شمسوحور» أي عبّاد حورس، وقد طبعت هذه الهجرة مصر بطابعها اللغوي والديني والفني والبشري إلى حد بعيد. وكان من أهم مظاهر سيادة عُبَّاد حورس، إعتلاؤهم عرشي مملكتين واحدة في الدلتا والثانية في الصعيد، وقد تُوّج ملوك كل مملكة بتاج خاص بمملكتهم، واستطاع الشمال الذي اتخذ من »دمنهور« الحالية عاصمة له، أن يوِّحد مصر بضم الجنوب إليه، وليس من المستبعد أن «أون» (هليوبوليس أو عين شمس) كانت عاصمة مصر الموحَّدة، ولكن هذه الوحدة لم تدم طويلاً، فقد انفصل الجنوب عن الشمال وأصبحت مصر تتكون من مملكتين ولكل منهما عاصمة سياسية وأخرى دينية، ومعبود وملك وتاج، فقد كان التاج الأبيض لمملكة الصعيد والتاج الأحمر لمملكة الدلتا.