اقتصاد

موارد المياه غير التقليدية.. خيار استراتيجي

  • د. سرحان سليمان: نهدر 43 مليار مترًا مكعبًا من مياه الأمطار
  • تحلية مياه البحر.. تكلفة عالية جدًا ولا تناسب الدول الفقيرة
  • المياه الجوفية مصادر بديلة هامة مع الاستخدام بحذر
  • الدولة تتوسع في استخدام موارد المياه الغير تقليدية وأنفقت 200 مليار جنيه سترتفع إلى 300 مليار

رضا رفعت

أصبح البحث عن مصادر بديلة للمياه بعيدا عن نهر النيل هو الحل المناسب لمواجهة أزمة مصر المائية؛ ومنها تحلية مياه البحر وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ وتحلية الميا ه الجوفية شبه المالحة، والاستفادة بمياه الأمطار والسيول؛ لتتحول إلى نعمة وليست نقمة.. والاستفادة من تلك المصادر لري المحاصيل الزراعية أو في محطات غسل السيارات أو مكافحة الحرائق أو الاستخدامات اليومية والمراحيض، كما يمكن معالجتها لتصبح صالحة للشرب.. في السطور التالية نستعرض آراء الخبراء ومجهودات الدولة في هذا الشأن.

في البداية قال الدكتور أسامة سلام خبير الموارد المائية: مصر تخطط لزيادة موارد المياه الحالية المتاحة للقطاع المنزلي والسكاني إلى حوالي 15 مليار متر مكعب بحلول عام 2040، وإلى حوالي 17 مليار متر مكعب بحلول عام 2050 من خارج مياه نهر النيل، بتحلية مياه البحر في المحافظات الساحلية وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ وتحلية المياه الجوفية شبه المالحة في غير الساحلية منها.

ويرى الخبراء أن الأمطار والسيول يمكن أن تساهم في حل أزمة المياه بمصر وتتحول إلى نعمة وليست نقمة؛ عن طريق تجميع مياهها وتخزينها واستخدامها لاحقا في ري المحاصيل الزراعية أو الاستخدامات اليومية أو محطات غسل السيارات والمراحيض ومكافحة الحرائق وغيرها، كما يمكن معالجتها لتصبح صالحة للشرب. 

وقد قدرت منظمة “الفاو” كمية مياه الأمطار التي تسقط على مصر بــ 51 مليار متر مكعب، وأوصت بضرورة الاستفادة منها، حيث إن أمطار الساحل الشمالى وحدها تكفى لزراعة 2 مليون فدان، كما أن السيول التى تسقط على رأس غالب تكفى لزراعة 100 ألف فدان، كذلك التى تسقط على جبل علبة. في حين أكدت تقارير وزارة الزراعة أنه يمكن الاستفادة بنحو 13 مليار متر  مكعب؛ تكفي لزراعة 600 ألف فدان، ومع ذلك لم تتم الاستفادة منها.

  • حلًّا واعدًا

وقد أظهرت نتائج دراسة لــ”تامر جادو”، الباحث في قسم الري والهندسة الهيدروليكية بجامعة طنطا، أنه يمكن حصاد نحو 142.5 مليون متر مكعب من مياه الأمطار في 22 مدينة. وأن الأمطار لمحتملة على الإسكندرية -على سبيل المثال- يمكن أن تلبي حوالي 12٪ من الاحتياجات المنزلية التكميلية للمياه في المدينة.

وقال “جادو”: يمكن اعتبار حصاد مياه الأمطار بالمناطق الحضرية وتخزينها بالخزان الجوفي حلًّا واعدًا ومستدامًا لمشكلات نقص المياه وغَمر المدن بسبب السيول، والأخطار الناتجة عنها، ونفقات تركيب شبكات الصرف الصحي وتشغيلها.

وقال الدكتور سرحان سليمان، خبير الاقتصادي الزراعي: لبنان مثلا تعتمد فى الشرب على مياه الأمطار وعلى الطرق العامة تجد مصبات المياه، أو تصب فى الصرف الصحى الذى يتم استخدامه بعد تنقيته مرتين أو ثلاثا ويستخدم فى الزراعة.

 وهذه هبة مجانية ولكن لم يتم الاستفادة منها، فيتم إهلاك 43 مليار متر مكعب من المياه، في حين أن الرومان بنوا لها سدودا فى سيناء استمرت آلاف السنين. ويمكن تخزين مياه السيول بعمل خزانات جاهزة لاستقبال السيول. وهناك خرائط بأماكن السيول ويمكن بناء خطة مستقبلية بل استثمارية للاستفادة منها؛ خاصة أن هذه المياه من أفضل أنواع مياه الرى.

وأوضح أن وزارة الرى قررت انشاء أكبر بحيرة لتجميع مياه السيول والأمطار بالغردقة تزيد على ٥ ملايين مترًا مكعبًا، وذلك لحماية الاستثمارات والمنشآت البترولية ومطار الغردقة الدولى والممتلكات الخاصة للمواطنين والتى تقدر بـ٥٠ مليار جنيه، فضلًا عن الاستفادة منها في شحن الخزان الجوفى وتوفير المياه، وتتضمن خطة الحكومة انشاء عدد من السدود والبحيرات الصناعية بمحافظات البحر الأحمر والصعيد بتكلفة 400 مليون جنيه، إلا أن هذه المشروعات لم يتم الانتهاء من تنفيذها بعد.

  • مخزون ضخم

وقال الدكتور نادر نور الدين أستاذ موارد المياه بجامعة القاهرة، أن مصر تمتلك السد العالى وبحيرة ناصر التى يقدر مخزونها بـ 162 مليار متر مكعب، منها 90 مليار متر عمقًا، وبالتالى يمكن فى السنوات التى تسقط فيها الأمطار بغزارة على هضبة أثيوبيا، ولو استغلت اثيوبيا هذا الظرف يمكنها ملء بحيرة السد  فى عامين و ليس ثلاثة، فموارد النيل الأزرق فى سنوات الفيضان تتراوح بين 80 مليارًا إلى 90 مليار متر مكعب، فى حين أن المعاهدات الدولية وبنود اتفاقية 1959 تؤكد على أن موارد مصر منه يجب ألا تقل عن 50 مليارًا، و لو توصلت الدول الثلاث إلى اتفاق يمكنها تقسيم هذه الحصة الزائدة فيما بينها..  ومياه الأمطار الغزيرة يمكنها أن تحل المشكلة بشرط تفاهم كل الأطراف.

وأضاف “نور الدين”: العديد من دول العالم استفادت من مياه الأمطار، ففى اليابان تم انشاء أنهار صناعية يتم صرف مياه الامطار فيها، ويختلف حجم النهر من مدينة لأخرى حسب كمية الأمطار المتوقع هطولها علبها، وفى السعودية و تونس وسوريا تم إنشاء خزانات وسدود لحصاد مياه الأمطار والاستفادة بها فى الزراعة والشرب. ويجمعها مواطنو سنغافورة، باستخدام أسطح المنازل. وفي طوكيو يتم حصادها وتوفيرها في حالات الطوارئ. وكذلك في أستراليا توجد خزانات مياه الأمطار بجوار كل منزل.

وزارة الري بدأت تنتبه وتنشأ مصايد أمطار عبارة عن حفر كبيرة بالأرض لتجمع الأمطار حتى يستفيد السكان بها لأغراض الشرب ونوعياتها تكون أفضل من نوعية تحلية مياه البحر وأكثر أمانًا للمستهلكين، وغالبا هذه المصايد في الساحل الشمالي الغربي والسلوم ومدن البحر الأحمر وجنوب سيناء، ولكنها مشروعات في أولها وتحتاج تكاليف لكننا نستطيع على مدار 10 سنوات مثلا أن ننجزها حتى يكون لدينا مخزون وافر من مياه الأمطار.

وطالب “نور الدين” بضرورة تجهيز مخرات للسيول فى المناطق الصحراوية، تمر أسفل الطرق الرئيسية وتصب فى خزانات، كما يحدث فى عدد من دول الخليج . وبعيدا عن الاسراف في استخدام المياه الجوفية، حتى لا تتأثر التربة وتصاب بالتملح بعد فترة، كما حدث فى مزارع طريق مصر الاسكندرية الصحراوى بين الكيلو 54 و حتى الكيلو 105.

وأشار إلى أن البلاد الغنية في الثرورة الحيوانية تعتمد على الأمطار في تربية العجول، لأن العجل الواحد يحتاج مياه تكفي لزراعة “فدان” أرض.

بينما قال عباس شراقي – أستاذ الجيولوجيا والمياه بجامعة القاهرة: يمكن استخدامها في ري الحدائق العامة وتنظيف الشوارع، وشحن الخزانات الجوفية، وأيضًا في الأغراض المنزلية، “خصوصًا في مناطق الساحل الشمالي، حيث أثبتت الدراسات جدوى حصاد الأمطار هناك، إذ تقع هذه المدن بعيدًا عن نهر النيل، وأيضًا التكلفة العالية لتوصيل المياه إليها.

وأوضح بيتر رياض – أستاذ هندسة الري والهيدروليكا بجامعة عين شمس، أنه يمكن إعادة تهيئة الشوارع لتشتمل على قنوات صرف جانبية ذات ميول، لتصب في مجمعات مصارف، ويتم تجميعها في محطات تنقية ويعاد استخدامها. كما يجب تجهيز أسطح المنازل، بحيث تتجمع مياه الأمطار في جهة تصب في مواسير، تصب بدورها في الصرف العمومي أو في شبكات صرف الأمطار المنفصلة.

 وأوصى “رياض” باستخدام طرق الري الحديثة مثل أنظمة الري بالرش والتشجيع على زراعة الأسطح باستخدام طرق الهيدروبونيك، أي الزراعة بدون تربة.

  • 300 مليار جنيه

وتحلية مياه البحر لا تناسب الدول الفقيرة- بالإضافة إلى قلة إنتاجها للمياه-، حيث يتكلف المتر المكعب الواحد حوالى 10 جنيهات، يمثل استهلاك الكهرباء 44% منها، لأن كل متر مكعب يحتاج لـ 2.5 كيلووات فى الساعة؛ إلا أن الدولة بدأت التوسع في تطوير استخدام موارد المياه غير التقليدية والعمل على توطين تلك التكنولوجيا بالتعاون مع القطاع الخاص والدول المتقدمة فى هذا المجال مثل السعودية، فأنفقت حوالي 200 مليار جنيه، ومن المرجح أن ترتفع في العام المقبل إلى 300 مليار. وأصبح لدينا 53 محطة تحلية لمياه البحر تنتج يوميًا حوالى 100 ألف متر \مكعب، بالإضافة إلى المحطات التي يقيمها أصحاب الفنادق في المناطق السياحية، حيث تم انشاء محطات تحلية فى مدن العلمين الجديدة وشرق بورسعيد والجلالة بطاقة 150 ألف متر مكعب يوميًا لكل منها، بخلاف التوسع في المحطات الحالية مثل محطة اليسر بالبحر الأحمر بطاقة 80 ألف متر مكعب يوميا...

جدير بالذكر أن العالم كله لا ينتج سوى 25 مليار متر مكعب من المياه المحلاة( 6% من مياه الشرب)، ومعظمها يتم انتاجه فى السعودية وأمريكا واليابان واسبانيا والكويت.. وكمية مياه الشرب المنتجة فى مصر تقدر يوميا بـ 25 مليون متر مكعب فى اليوم، 85% منها من مياه النيل، بينما لا تمثل مياه البحر المحلاة منها سوى 0.1 %، والباقى من المياه الجوفية.

وقال الدكتور علي اسماعيل، وكيل معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة: المياه الناتجة عن الصرف الصحي لابد من اعادة تدويرها ولابد من البحث عن الوسائل البديلة للتدوير الداخلي بعيدا عن التدوير الخارجي في المحطات الرئيسية، وكما يظهر ذلك في بعض الفنادق  بالمناطق الساحلية والمصانع التي يمكنها اعادة استخدام المياه المنصرفة منها مرة اخري؛ كدوائر مغلقة ضمن منظومة المعالجة لقدرتها المالية علي ذلك، وألا يُسمح لها بالإنشاء من البداية إلا ولو كانت تمتلك هذه القدرة، فتصبح غير ملوثة للمياه سواء كانت تصب في النهر أو المصارف؛ فالمهم هو التخطيط الجيد لإدارة الموارد المتاحة وتعظيم استخدامها وجلب موارد أخري من خلال الطرق الغير تقليدية.

وتحلية المياه وتدوير مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي وغيرها مناسب لتغطية جزء من الاحتياجات المائية مع انخفاض تكلفة التحلية وظهور تكنولوجيات بديلة للمعالجة. نعتمد ونطور نظم حصاد مياه الأمطار والاستفادة منها والتى تقدر بنحو ملياري مترًا مكعبًا سنويًا بعد تجميعها بإنشاء السدود والخزانات الأرضية خاصة فى الساحل الشمالى والصحراء الشرقية وسيناء.

  • أفكار وابتكارات

وقد أعلن الدكتور محمد نجيب أستاذ أمراض النباتات بمركز البحوث الزراعية أنه توصل إلى طريقة بسيطة وغير مكلفة من خلال زراعة ورد النيل والطحالب فى مياه البحر لترسيب كربونات الكالسيوم، وتحويلها من مياه عسرة إلى مياه لينة، تدخل على أحواض لتنقيها وترشيحها، ثم تضاف إليها معادن معينة لامتصاص الأملاح الزائدة منها.

 وأكد الدكتور نجيب أن تكلفة المشروع لا تزيد على مليون دولار، وهذه الأحواض تكفى لتحلية حوالى 5 مليارات متر مكعب، تتضاعف بإنشاء مزيد من الأحواض، كما أن المياه تكون جيدة جدًا للاستخدام فى الزراعة والشرب أيضا.

كما أعلن فريق بحثى بجامعة الاسكندرية، نجاحهم في التوصل إلى طريقة لتنقية مياه البحر وتحليتها فى غضون دقائق معدودة، وهى ذات جدوى اقتصادية، لأنها لا تحتاج لكهرباء لعملية التنقية كما يحدث فى الطرق التقليدية.

وقدم المخترع محمد صلاح حسنين مشروع لتحليه مياه البحر وتوليد الكهرباء من مشاعل البترول، قائلًا: يمكن استـغلال مشـاعل تفريغ الغازات المشتعلة في حقول البترول المنتشرة علي مستوي الجمهورية، وبلسان لهب طوله يصل لعشرين مترًا وبطاقة حرارية هائلة مهدرة دون أي استفادة؛  لتوصيلها بأنابــيب موجـه فوهتها علي غــلايــــات؛ للاســتفادة بقوة الحريق الهائــلة الناتجة  من هــــذه المشاعل لتشغيل محطات كهرباء تعمل بالبخار أو لتحلية مياه البحر بالتكثيف والتقطير …هذا بالنســبة للحقـول  الشـاطئية أو الموجـــودة في البحار وبهذا نوفر الكثير من الطاقة الكهربائية بدون أي تكاليـــف وتخفيف الأحمال علي محطـــات الكهرباء. كذلك توفير كميات هائلة من المياه الصالحة لكافة الاستخدامات .

  • الاستخدام بحذر

والمياه الجوفية أحد أهم مصادر المياه العذبة فى العالم، وموجودة فى مصر بكميات جيدة إلا أن استخدمها – وفقا للخبراء – يجب أن يتم بحذر لأن الاستخدام المفرط لها من شأنه التأثير على الخزان الجوفى مما يؤدى إلى ملوحة التربة فيما بعد.

وطبقًا لدراسة للدكتور خيرى العشماوى والدكتورة ليلى الشريف الأستاذان بالمركز القومى للبحوث؛ تتوزع خزانات المياه الجوفية المتجددة بين وادى النيل ( بمخزون 200مليار متر مكعب)، وإقليم الدلتا ( بمخزون 400مليار)، ويتم سحب نحو 6.5 مليار متر مكعب سنويا من مياه تلك الخزانات. وحدود السحب الآمن أقصاه نحو7.5 مليار متر مكعب حسب تقديرات معهد بحوث المياه الجوفية.

وتتميز هذه الخزانات بنوعية جيدة من المياه ملوحتها 300 إلى800 جزء فى المليون فى جنوب الدلتا، وتعتبر ذات قيمة استراتيجية هامــة.

وأهم خزانات المياه الجوفية غير المتجددة؛ الخزان النوبى فى الصحراء الغربية ومخزونه نحو 40 ألف مليار متر مكعب، ولكن مياهه على أعماق كبيرة، وتكاليف الرفع والضخ مرتفعة؛ لذلك يتم سحب نحو 0.6 مليار متر مكعب/السنة تكفى لرى 150 ألف فدان بمنطقة العوينات، ومن المتوقع أن يزداد معدل السحب السنوى لنحو 2.5 إلى 3 مليارات متر مكعب كحد سحب آمن واقتصادي.

وأكدت الدراسة على ضرورة الحفاظ على الخزانات الجوفية لفترات طويلة؛ بالتحول من إلى نظام المزارع المحددة بمساحات متفرقة (2000 إلى 5000 فدان).

وأشارت إلى أن الدراسات الاستكشافية أسفرت عن وجود أكثر من 200 بئر وينبوع للمياه الصالحة للشرب بالصحراء الشرقية، إلا أن معظمها لم تستغل اقتصادياً نظراً لعدم تدفقها بكميات كبيرة ومنتظمة، ومن المتوقع الاستفادة بنحو0.3 مليار متر مكعب من مياه الينابيع مستقبلاً.

وقال الدكتور نادر نور الدين، أستاذ المواد المائية: تتوسع مصر في اكتشافات المياه الجوفية في الصحاري، وبالتالي زيادة المستخدم منها إلى 10 مليارات متر مكعب سنويا، ولكن يتكلف البئر الواحد حالياً نحو 2 مليون جنيه، لأن بعض الآبار في الواحات والصحراء الغربية عمقها 1200 متراً وصلاحيتها للري والشرب منخفضة وتحتاج معالجة.

بينما أكد الدكتور محمد عصام الدين أستاذ المياه والأراضى  بجامعة القاهرة، أن الاستخدام غير المدروس للمياه الجوفية يؤدى إلى تملح الآبار، خاصة إذا لم يكن لها مصادر امداد متجدد. ولتعظيم الاستفادة من المياه الجوفية يجب ألا يزيد استخدامها على 10%.

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights