تحقيقات

معركة تحجيم استنزاف المياه في الزراعة

  • زراعة قصب السكر بالتنقيط والشتلات في الصحراء لتوفير المياه

  • أزمة زراعة الأرز ستشهد انفراجة كبيرة بفضل أرز الجفاف

  • التوسع في استنباط أصناف قصيرة العمر وأكثر تحملاً للجفاف والملوحة ودرجات الحرارة

  • د. نادر نور الدين: تطوير قنوات الري يوفر مياه تروي نحو 4 مليون فدان

  • د. علي إسماعيل: يمكن توفير 20 مليار مترًا مكعبًا من الاستخدامات الثانوية للميزانية المائية

  • د. سعيد سليمان: زراعة ثلاثة محاصيل في العام حلم أصبح بالإمكان تحقيقه وبنصف كميات المياه

  • تنفيذ مشروع الاستزراع التكاملي والسمكي

رضا رفعت

معركة شرسة تخوضها الدولة لتحجيم استنزاف المياه في قطاع الزراعة؛ والاستفادة بكل نقطة منها، والبحث عن مصادر جديدة لهذا المورد الثمين، والعمل على الاستفادة من البحوث العلمية وتجارب الدول، وتبني عددا من الإجراءات وربط أولويات استخدام المياه بالجدوى الاستثمارية والعائد الاقتصادي من وحدة المياه.. في هذه السطور نستطلع آراء الخبراء والمختصين، وأهم الابتكارات العلمية المفيدة للدولة والمجتمع فى هذا المجال.

في البداية قال الدكتور محمود أبو زيد وزير الري الأسبق، أن الاستخدامات الزراعية تهدر نحو 30 إلى 40% من المياه، وذلك بسبب الاستخدامات الخاطئة، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير من قبل الدولة، عن طريق تطوير شبكات وطرق الري وتوعية الفلاح، كما يجب رفع كفاءة العاملين في الوزارات المعنية.. والتوسع في استخدام المياه الغير تقليدية يساهم في حل المشكلة قليلًا.

بينما قال الدكتور نادر نورالدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة: نفقد نحو 19 مليار متر مكعب سنويًا فى الزراعة بسبب نقل المياه إلى الأراضي عبر قنوات ري مكشوفة، يتجاوز طولها 35 ألف كيلومتر، وبالتالي نحتاج خطة طويلة الأجل لتبطينها وتحويل بعضها إلى مواسير، بمساعدة المنظمات الدولية للمياه والبنك الدولي؛ حيث سبق اعتمادها نحو 50 مليار جنيهاً لهذا الغرض، وأنفقت في غير موضعها، رغم أن كمية المياه المفقودة تكفي لري نحو 4 مليون فدان!!

ونعمل على التوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي والوصول بها إلى 20 مليار متر مكعب سنويا، ولكنه أمر مكلف؛ حيث تتكلف معالجة المتر المكعب نحو 5 جنيهات، وبالتالي نحتاج نحو 100 مليار جنيها سنوياً.

أضاف “نورالدين”:  إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي يجعل كفاءة الري تقارب الري بالرش وبالبيفوت وتقل قليلا عن كفاءة الري بالتنقيط (85-90%)، ولكننا مترددين في زيادة كفاءة الري عن 75% حتى لا تتدهور إنتاجية الأراضي، حيث تضيف مياه الري 3 إلى 10 أطنان أملاح سنويًا لها لا بد من غسيلها تباعا. وينبغي حذر ري الأراضي الزراعية الصحراوية إلا بالتنقيط والرش والبيفوت المحوري.

وهناك خطط لتنمية موارد نهر النيل، مثل إحياء مشروع قناة جونجلي، بهدف استقطاب 4 مليارات مترًا مكعبًا، ثم 7 و17 في المرحلتين الثانية والثالثة، ولكن حكومة جنوب السودان تهمل المشروع بضغوط إسرائيلية، رغم ما تقدمه مصر لهم (سدود المياه ومحطات مياه وإقامة المجازر والوحدات البيطرية وفرع لجامعة الإسكندرية بجوبا …).

  • تدوير ومعالجة

وقد اتجهت الحكومة إلى تنقية مياه الصرف الزراعي والصحي بالمعالجات الثنائية والثلاثية والاستفادة منها، وفي المقابل يوجد لدينا أكثر من 3.8 مليار متر مكعب سنويا، من مياه الصرف المعالجة؛ جزء كبير منها يتم صرفه على الترع والمصارف، وجزء آخر على الغابات الشجرية، وقليل منه يستخدم في ري بعض الزراعات.

وحدد الكود المصرى الجديد أنواع الزراعات التي تناسب كل مرحلة، وحظر استخدام مياه الصرف الصحي الخام التي لا تجري عليها عمليات المعالجة في ألزراعة، كما ينص الكود على أن يطبق على الأراضي الجديدة فقط ولا يطبق “الأراضي القديمة” بالوادي والدلتا.

وقال الدكتور سميح منصور أستاذ المبيدات والسموم بالمركز القومى للبحوث: يجب الاهتمام بإعادة  تدوير ومعالجة مياه الصرف الصحى؛ لاحتوائها  على عناصر مفيدة للزراعة كاليوريا والبوتاسيوم والفسفور  ثم استخدامها.. وتشير بعض الدراسات إلى أن تكلفة تنقية المتر المكعب من مياه الصرف الصحى للاستخدام فى الزراعة 1.5 إلى 2 جنيه.

  • الموز ممنوع نهائيًا

بينما قال الدكتور علي اسماعيل أستاذ الأراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية: يجب التوسع فى استخدام مياه الصرف الصحى المعالج  في زراعة الغابات الشجرية والتى تدر موارد هائلة، وكذلك القطن والتيل والكتان ونباتات الزينة وزهور القطف والمسطحات الخضراء. ويمكن استخدام المياه المعالجة حتى المستويين الثالث والرابع فى زراعة المحاصيل والخضراوات، وفى كل المجالات، بما فى ذلك الشرب، بعد تنقيتها حتى المستوى السابع، ولكن بتكلفة مرتفعة للغاية.

وهناك حوالى 12 مليار متر مكعب مياه يمكن استغلالها فى زراعة نحو 5 ملايين فدان، منها معالجة مياه الصرف الزراعي والمقدرة ب 8 مليارات متر مكعب سنويًا، و 2 مليار من مياه الصرف الصحي بمعالجة ثلاثية أو أكثر، رغم التكاليف الباهظة التي تنخفض قريباً، مع إلزام المصانع بمعالجة مياه الصرف الصناعي قبل نقلها إلي المجاري المائية، لنوفر حوالي 20 مليار مترًا مكعبًا.

واستخدام المياه الجوفية لزراعة المحاصيل سريعة العائد والتصديرية، مع منع زراعة الموز في مصر نهائيا، وتحلية المياه النصف عذبة؛ كمياه البحيرات الشمالية لتستخدم للشرب والصناعة، فالعائد للمتر المكعب منها ربما يتجاوز 1000 جنيه، ليساعد علي تغطية التكلفة الاقتصادية لإنشاء محطات جديدة لاستثمارات القطاع الخاص، وتوفير مياه شرب.

  • أصناف قصيرة العمر

أضاف ” إسماعيل”: التوسع فى استخدام نظم الرى المطورة فى الأراضى القديمة، يوفر 12 مليار مترًا مكعبًا؛ عن طريق تبطين المساقى أو استبدالها بمواسير، مع نقاط رفع موحدة ومحابس، جدولة الري وربطة بالأرصاد الجوية، التوسع الزراعى فى المواقع الأكثر اعتدالا فى المناخ والأقل احترارا؛ وكذلك التسوية بالليزر التى توفر من 15- 20% من الاستهلاك المائى، وري المحاصيل الحقلية علي مصاطب؛ مع استخدام نظام الأنابيب المبوبة لرفع كفاءة استخدام المياه بنسبة 80% ويمكن أن تصل 90%. فاستخدام الرى المطور فى محصول قصب السكر، يوفر 1020 مترًا مكعبًا من المياه للفدان، وفى الذرة يوفر 1615 مترًا مكعبًا والقمح 1050 مترًا.

وزراعة محاصيل صيفية بجذور وتدية للاستفادة من الماء الأرضي يعقبها جذور سطحية، وتحديد المساحات المزروعة أرز وحصرها فى المناطق الشمالية، وبأصناف قصيرة العمر بما يوفر 2.5 مليار مترًا مكعبًا مياه سنوياً.

وكذلك تنفيذ الدورة الزراعية الثلاثية (قمح – شعير- ذرة)، ( فول صويا – عباد شمس – سمسم – فول سودانى )، والتوسع فى زراعة هذه المحاصيل فى الأراضى الجديدة. وتغليظ العقوبات على المخالفين وتنفيذها بكل حسم.

وقال الدكتور سرحان سليمان، الأستاذ بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي: لابد من استنباط أصناف تتحمل الحرارة العالية والملوحة والجفاف، وزراعة أصناف تناسب المناطق المناخية لزيادة العائد المحصولي من وحدة المياه، ونباتات تستطيع تخليص المياه من العناصر الثقيلة لاستخدامها فى اغراض اخرى، وتغيير مواعيد الزراعة بما يلائم الظروف الجوية الجديدة، إلى جانب التوسع في المحاصيل الشتوية مثل العدس والفول البلدي. وتقليل مساحة المحاصيل شرهة استهلاك المياه مثل الأرز وقصب السكر، وزراعة محاصيل استهلاكها المائي وموسم نموها أقل، مثل البنجر والتمور والذرة السكرية والاستيفيا.

في حين قال الدكتور محمد فهيم، أستاذ التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية: نفقد أحيانا على مستوى الحقل 20% من المياه، وتسبب الكثير من الأمراض للفلاح. وتطوير الري الحقلي يوفر مساحة 2-3 % من الأرض الزراعية، وبالتالي رفع المردود الاقتصادي على المستوى القومي والمزارع. وزراعة القمح على مصاطب توفر 20%من مياه الري؛ فلابد أن تكثف حملات التوعية والإرشاد، من أجل تبنى المزارعين لتلك الطريقة.

بينما قال الدكتور رضا عبدالسلام، محافظ الشرقية الأسبق: لابد من الاسراع بإحلال سلالات متطورة من الأرز أقل استهلاكًا للمياه واكثر انتاجية، والاعتماد على بنجر السكر بدلا من قصب السكر؛ لأن كيلو السكر المنتج من القصب يحتاج ٧ متر مكعب مياه سنويًا، أما المستخرج من البنجر يستهلك أقل من ٢ متر.. واتباع الزراعة بالشتل. أما بالنسبة للانتاج الحيوانى؛ فيتم التوسع فى تربية الحيوانات الصحراوية كمصدر للألبان واللحوم مثل الجمال والاغنام والماعز .

وقال جمعة طوغان، المهندس الزراعي بوزارة الري: يمكن التوسع في زراعة ” البامبو” ولو بديل للغابات الشجرية الحالية أو إنشاء مزارع متخصصة في زراعته وصناعة منتجاته التنموية المتعددة؛ اعتمادا علي مياه الصرف وتعظيم الاستفادة منها. ولكن هيئة تنمية الصعيد تتبني حاليًا مشروع البامبو لزراعته كسياج حدودي في المزارع الصحراوية لصد الرياح وتثبيت التربة ومنتج خشبي عالي القيمة. وما زال مشروع زراعة النخيل للاستفادة بمياه الرشح علي شبكة الري حلم ننتظر تحقيقه  رغم الفوائد الاقتصادية والبيئية الكبيرة وتعظيم الاستفادة من الأراضي والمياه.

  • الأمطار الصناعية

وقال حسين أبوصدام نقيب عام الفلاحين: لابد من الاتجاه إلي الزراعة داخل صوب، وعلي مصاطب، والفردية؛ وزراعة أصناف الخضروات والمحاصيل ذات الإنتاجية الأعلى ومبكرة النضح وأقل استهلاكًا للمياه.. وسوف يبدأ التحول إلى طرق الري الحديث في يناير 2020 كأكبر تطبيق فعلي لمبدأ الترشيد، وبحسب الحكومة، المرحلة الأولى مدتها عامين تستهدف الأراضي حديثة الاستصلاح، والثانية عامين أيضا تستهدف الحدائق والبساتين، والثالثة 6 أعوام تشمل كل الأراضي المتبقية من المرحلتين السابقتين.

وأكد نجاح تجربة الأرز بالأمطار الصناعية هذا العام، وهو نظام يصلح لجميع الأراضي الزراعية، ونادرا ما يحتاج للصيانة، وعمره الافتراضي 25 إلى 30 سنة، وتكلفة الفدان لا تزيد على 30 ألف جنيه تنقص عند زيادة المساحات، وهذه الطريقة في الري تخفض درجة الحرارة مما يحمي النبات من التغيرات المناخية، وبالتالي ستحدث طفرة في عالم زراعة الأرز.

  • الأكوابونيك

وقد ظهرت تقنيات حديثة مثل الزراعة المائية التي تستغل كل قطرة ماء بشكل مثالي، فنسبة الوفر تتراوح بين 80 – 90% بالمقارنة بالزراعة التقليدية.

وقال الدكتور هشام حجاج، أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن هناك نظام “الأكوابونيك” يمكن من خلاله استزراع الأسماك على رأس الحقل ثم تدوير المياه واستخدامها لري المحصول. وتم تطبيق هذا النظام في مزارع النخيل وكذلك البرسيم. ويمكن إقامة المزارع فوق أسطح المنازل أو أي مساحة محدودة. وتمت تجربة استخدام مياه حوض للأسماك دون تغيير 10 سنوات، دون التأثير على كميات الأسماك ونوعيتها أو نمو النباتات.

وفي ذات السياق أعلنت الدكتورة مني محرز نائب وزير الزراعة، أنه تم وضع آلية للتوسع في الاستزراع التكاملي والسمكي، وإلزام المنتفعين بالأراضي الصحراوية لتطبيق هذا النظام لتدوير المياه وإعادة استخدامها وزيادة العائد من وحدتي الأراضي والمياه؛ خاصة القيمة الاقتصادية لوحدة المياه؛ والحصول علي إنتاجية 90 طن أسماك/الفدان، حيث تستخدم المياه بأحواض الاستزراع السمكي ثم تروي المساحات النباتية المحددة.. ويمكن تنفيذ المشروع في الأراضي ذات التربة الرملية والفقيرة؛ لتساعد علي تماسك التربة؛ مما يقلل المياه المستخدمة في الري.

كما قدم طلاب مدرسة الأقصر للمتفوقين فى العلوم والتكنولوجيا، عدة ابتكارات؛ منها جهاز رى بالتنقيط، يقلل نسبة المياه المهدرة بواقع 62.2%. وكذلك نظام رى عن طريق مد أنبوب عميق مزود بمياه مقطرة باستخدام نوع من الأحماض العضوية، وتحلية المياه، فضلا عن تجميع مياه الأمطار، وبالنظام تطبيق على الهاتف المحمول يتلقى البيانات بشكل فورى حال وقوع أى خطأ.

وأيضًا ابتكار استخدام أنابيب PVC فى استخراج المياه الجوفية، لتزويد نظام الرى بالتنقيط بالمياه، به مستشعر يرسل إشارات لوقف ضخها حال تشبع التربة بالماء. واختراع جهاز يحسب نسبة المياه التى يحتاجها النبات.

  • قصب السكر بالتنقيط

وعلى مساحة تصل 1400 فدان بمشروع غرب المنيا تمكن المهندس ساهر محمود  من تنفيذ تجربة مبتكرة زراعة قصب السكر بالشتلات بدلا من الغرس وريه بالتنقيط.

وقال المهندس ساهر إن زراعة القصب بالتنقيط فى الصحراء يوفر حوالى 40 % من المياه، 50 % من الأسمدة، 60 يوم زراعة، 90 % من التقاوى، وزيادة إنتاجية المحصول ومحتواه من السكر (الفدان 60 طنا مقارنة بـ40 طنا فى الزراعة الخصبة) ويسهل دخول ميكنة الحصاد مما يقلل التكاليف. ويعتمد على الرى بالتنقيط والري أسفل التربة، ويكون استنباط الشتلات عبر زراعة الأنسجة. والصنف المزروع هو س 9 المنتشر فى الصعيد. وقد حصلت علي موافقة مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة ؛ ليتم تعميمها بالصحراء والأراضي الطينية وتحقيق طفرة فى زراعة القصب قريبًا.

  • أرز الجفاف

فيما أكد الدكتور سعيد سليمان أستاذ الوراثة بجامعة الزقازيق، أن أزمة زراعة الأرز ستشهد انفراجة كبيرة من خلال زراعة الأنواع موفرة للمياه.

وقال “سليمان”:  بعد 30 عامًا من العمل والتجارب وفقني الله لابتكار تقاوى أرز جديدة تتحمل الملوحة والعطش وتوفر55% من المياه – مثل الذرة الشامية -، عالية الإنتاجية، مبكرة النضج (عرابى، عرابى 1، عرابى 2، عرابى 3، عرابى 4).. وقريبًا سيتم تعميم تلك الأصناف لتساعد فى زراعة الأرز بالمناطق المحظور فيها، المحافظات المختلفة مما سيسمح بزراعة مساحة مليون و100 ألف فدان، حل الأزمة خلال أعوام معدودة، وبالتالي نستقيد من نحو 16 مليار مترًا مكعبًا مياه صرف زراعى كانت تصب فى البحر المتوسط، ولن نحتاج لاستيراد أرز وتوفر مبالغ كبيرة من العملة الصعبة.

وقد تم بحمد لله نجاح تجربة زراعة أرز الجفاف عرابي تحت ظروف البرودة بالأسكندرية، وتم الحصاد بنجاح يوم ٩ ديسمبر 2019؛ رغم من وقوع المزارعين في أخطاء عديده أهمها نقل المشتل بعد ٤٥ يوم بدلاً من ٢٥ يوم.. وهذا الإنجاز يمكننا من تحقيق حلم زراعة ثلاث محاصيل استراتيجية في العام (قمح /ذرة /أرز ) أو (قمح /أرز/ أرز )؛ مما يضاعف انتاجية هذه المحاصيل المهمة.

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights