ماذا يحدث للميت بعد الدفن وماهو عالم البرزخ ..معلومات لايعلمها كثيرون
مايمر به العبد في القبر بعد الدفن
جاءت العديد من النصوص القرآنيّة في إثبات ما يمرُّ به العبد بعد دخوله القبر من مراحل بين السؤال والحساب والنعيم والعذاب، فمن كان في حياته قريباً من الله -سبحانه وتعالى- مُتعلّقاً فيه، مرّت عليه تلك المراحل سلسةً يسيرةً.
ومن كان فيها غافلاً عن الله عاصياً له مُطيعاً لهواه ورغباته فإنّه يلقى أنواع العذاب والحساب والسؤال من قِبَل ملائكة الله، ومن بعض النصوص التي تُثبت شيئاً ممّا يمرُّ به الميت في القبر حسب ترتيبها المنطقي:
ماذا يحدث للميت بعد الدفن
1- من آمن بالله حق الإيمان فإنه سيدخل قبره آمناً مُطمئناً، فإذا ما سأله الملكان أجابهما بثباتٍ وسكينةٍ واطمئنان، وذلك لما كان منه من الإيمان والتقوى والعمل الصالح وحسن الاستعداد للآخرة، قال الله – تعالى-: « يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ».
2- إذا أُنزِل الميّت إلى القبر ثم انصرف عنه أهله أتاه ملكان مبعوثات من الله – سبحانه وتعالى- ليسألاه بعض الأسئلة، وبناءً على إجابته على أسئلتهم يكون مصيره في القبر الذي سيوصله إلى مصيره المحتوم في الآخرة، فإذا أتى الملكان للميت بعد انصراف الناس عنه أقعداه في موضعه في القبر ثم سألاه عن ربه من هو؛ فإن كان مؤمناً أجاب بثباتٍ وثقة: ربي الله، فيسألانه عن نبيه، فيجيب: نبيّي محمد، فيسألانه عن دينه، فيقول: ديني الإسلام، حتى إذا انتهيا من الأسئلة رأى منزله من الجنة جزاء ما كان منه من الصلاح والتقوى، أما الكافر فإنه يُجيب بعد كل سؤال من تلك الأسئلة بقوله: لا أدري، فيُرى مقعده ومكانه من النار جزاء اتّباعه لهواه وكفره بما جاء به الله على لسان أنبيائه.
ويُثبت ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه- أنّ رسولَ اللهِ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: « إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ – صلى الله عليه وسلم-، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا. قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين».
3- بعد أن ينصرف
الملكان عن الميت بعد سؤاله ويرى مكانه في الجنة أو النار تبدأ حياة القبر؛ فإن كان العبد مُؤمناً وُسِّع له في قبره ورأى من مظاهر النعيم واللذة ما يجعله يتمنّى قرب قيام الساعة لينتقل إلى النعيم الأكبر في الجنة، أما الكافر والفاسق فإنه وبعد سؤال الملكين له وعرض منزله في النار يتمنّى ألا تقوم الساعة حتى لا يدخل النار، فيضيق عليه قبره ويشعر بالعذاب الذي يأتيه من كل مكان، ومن أشد العذاب أنه يرى مقعده من النار في الصباح والمساء، قال – تعالى-: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا».
ماذا يحدث للميت بعد الدفن وماهو عالم البرزخ ..معلومات لايعلمها كثيرون
اختلف العلماء في مسألة سؤال الملكين للميت في قبره، هل أنَّ سؤالهما يقع على الروح أم على البدن أم عليهما معاً، وبيان ما ذهبوا إليه فيما يأتي:
1- جمهور العلماء
يرى جمهور علماء السُّنة أنّ الروح تُرَدُّ إلى جسد الميت بعد أن يُدخَل القبر، أو حتى بعض الجسد في حالة ما إذا كان الجسد قد لحق شيئاً منه البتر أو الحرق، فلا يمنع من ذلك كون جسم الميت قد تمزَّق إلى أشلاء، أو احترق بكامله؛ لأنّ اللّه قادر على أن يعيد الحياة إلى جسده ولو لجزءٍ بسيطٍ منه، ويقع على الجزء الذي يبقى من الجسد سؤال الملكين له في قبره.
2- مذهب الإمام
أبي حنيفة والغزاليّ -رحمهما الله- في هذه المسألة هو التوقّف، لكنّهم أقرّوا أنّ الميت في قبره يشعر ببعض حياة؛ فيتنعَّم إن كان تقيّاً، ويُعذّب إن كان غير ذلك، ويتلذّذ بالملذّات التي تأتيه ثواباً على ما قدَّم من صالح العمل، أما مسألة عودة الروح إلى الجسد عند سؤال الملكين وبعدها فهي عندهم غير مُستقرّةٍ؛ فيمكن أن تعود إلى جسده إذا دخل القبر، ويمكن أن يُؤخّر الله ذلك إلى يوم القيامة، والله وحده العليم بذلك.
3- الإمام ابن جرير الطبريّ وجماعةٌ من العلماء
يرى الإمام ابن جرير الطبريّ وجماعةٌ من العلماء أنَّ سؤال الملكين للميت في قبره إنّما يقع على جسده فقط، وأنّ الله سبحانه وتعالى يخلُق فيه إدراكاً وسمعاً وقدرةً على الحوار والإجابة، ويجعله يتألّم إذا ما استحقّ العذاب ولو لبرهة، كما يشعر بالنّعيم ويتلذّذ به إذا كان من أهل التقوى والصّلاح.
4- ابن هُبيرة وغيره
ذهب ابن هُبيرة وغيره إلى أنّ سؤال الملكين للميت في قبره إنمّا يقع على روحه فقط ولا يقع على جسده، وذلك يقتضي إنكارهم أنّ روح الميت تعود لجسده بعد الدفن وعند سؤال الملكين له.
ماذا يحدث للميت بعد الدفن وماهو عالم البرزخ ..معلومات لايعلمها كثيرون
العذاب والنعيم للميت في قبره نتج عن اختلاف العلماء في مسألة ردِّ الروح للميت في قبره مسألةٌ شديدة الحساسيّة هي ما يتعلّق بتلذّذ الميت في قبره بالنعيم وإحساسه بالعذاب، وهل يقع العذاب على الروح فقط أم على الجسد فقط، أم على كليهما؟، وبيان خلافهم وأقوالهم فيما يأتي:
1- ذهب الغزالي وابن هُبيرة إلى القول بأنّ النعيم والعذاب في القبر إنّما يقع على روح الميت وحدها،وأنّ جسده لا يشعر بذلك العذاب أو النعيم إطلاقاً.
2- يرى جمهور العلماء من أهل السنّة والجماعة والأصوليّين والفقهاء وعلماء العقيدة من المُتكلّمين وغيرهم أنّ العذاب والنعيم إنّما يقع على روح الميت وجسده معاً.
3- قال النّووي: (النّعيم والعذاب للجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه).
4- يرى الإمام ابن جريرٍ الطبري أنّ الميّت يُعذَّب في قبره، وأنّ هذا العذاب أو النعيم الذي يأتيه إنّما هو لجسده فقط، فلا تُردّ الروح إليه، لكنّه يُحسُّ بالألم والنعيم كما لو كان حيّاً.
ماذا يحدث للميت بعد الدفن وماهو عالم البرزخ ..معلومات لايعلمها كثيرون
هناك خلاف بين العلماء على حال الميّت في القبر إن كان يسمع من حوله أم لا، ومنهم من قام بنفي هذا الأمر، وقد استدلّ من أثبت ذلك بعدّة أدلة منها:
1- ما ورد في الصّحيحين
أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال عن الميّت: «إنّه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا».
2- ما ورد في خطاب
النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – لقتلى بدر من المشركين، وذلك بعد أن تركهم ثلاثة أيّام: « يا أبا جهل بن هشام، يا أميّة بن خلف ، فسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال: يا رسول الله ! كيف يسمعوا وأنّى يجيبوا، وقد جيفوا؟ فقال: والذي نفسي بيده، ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنّهم لا يقدرون أن يجيبوا. ثمّ أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر»، رواه البخاري ومسلم.
3- ما ثبت في الصّحيحين
من غير وجه، أنّه – صلّى الله عليه وسلّم – كان يأمر بالسّلام على أهل القبور فيقول : «قولوا السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون».
4- ومن العلماء
من قال بأنّ الموتى يسمعون على المطلق، ومنهم من قيّد ذلك، وسمعه هو سمع إدراك، ولا يترتّب عليه الجزاء، وقد أنكرت السّيدة عائشة -رضي الله عنها- أن يسمع الموتى كلام الأحياء، وذلك من خلال احتجاجها بقوله – تعالى-: «إنّك لا تسمع الموتى»، وبقوله: «وما أنت بمسمع من في القبور»، (سورة فاطر،22).
5- وقد وافق على هذا القول مجموعة من علماء الحنفيّة، حيث قالوا: بأنّ سماع أهل القليب للنبي معجزة،أو خصوصيّة للنبي – صلّى الله عليه وسلّم- وأن حديث: « يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه»، فقالوا : بأنّ ذلك خاصّ بأوّل الوضع في القبر، مقدّمةً للسؤال جمعاً بينه وبين الآيتين.
6- وقد ثبت ذلك في حديث البراء الذي رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما وفيه أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال: « فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرّجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت».
عذاب القبر ونعيمه
اتّفق أهل السّنة والجماعة على ثبوت كلّ من عذاب القبر ونعيمه، وما على ذلك من أدلة من الكتاب والسّنة النّبوية، حيث قال – سبحانه وتعالى-: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ»، (سورة غافر،46)، وفي هذه الآيه تصريح واضح في إثبات وجود عذاب القبر، وذلك قبل قيام السّاعة.
وقال- سبحانه وتعالى-: « وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ»، (سورة الأنعام،93 ).
وقوله – تعالى-: «وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكنّ أكثرهم لا يعلمون»،( سورة الطور،47)، والمقصود في هذه الآية هو عذاب القبر، ولا يمكن حمله على عذاب الحياة الدّنيا؛ لأنّ كثيراً من الظالمين لم ينالوا عذابهم في الحياة الدّنيا.
وقوله – سبحانه وتعالى-: «سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذاب عظيم»، (سورة التوبة،101)، ومعنى العذاب المذكور بدايةً في الآية هو العذابفي الحياة الدّنيا، والمقصود بالعذاب الثّاني في الآية الكريمة هو العذاب في القبر.
وورد في الصّحيحين أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – مرّ بقبرين فقال: «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأمّا الآخر فكان يمشي بالنميمة»، وورد في صحيح مسلم: «إنّ هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه».