أكمل النشار يكتب : لا تقدسوا التاريخ !
الفاتحون المسلمون لم يتخلقوا في أحيان كثيرة بأخلاق الإسلام، وهذا أمر طبيعي، هم بشر يُخطئون ويُصيبون، ألم يكن في الصحابة أنفسهم مَن أخطأ في الغزوات والقتال؟ .. خالد بن الوليد ألم يُخطئ ؟ والرسول قال اللهم أني أبرأ إليك مما فعل خالد، وعمر بن الخطاب غضب منه بسبب ما فعله بمالك بن نويرة.
الحس الإسلامي الصحيح يتحيز إلى العدل، وتاريخنا ليس مُقدَّساً؛ لأننا بشر، حين يُخطيء الفاتح أو الخليفة، نُخطّئه ونقول إنه لم يستوح الإسلام، استوحى هواه وغضبه وجهله.
بنو أمية لم يفتحوا على نحو ما فتح عمر بن الخطاب؛ لأنهم أرادوا الأموال، ودفَّعوا مَن أسلم من غير المسلمين الجزية إلى جانب الزكاة، إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز وقال إن الله إنما بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً.
ومع ذلك من المسلمين اليوم مَن يغضب بشدة، إذا انتُقِدَ التاريخ الإسلامي، وكأنما يُنتقَد كلام رب العالمين! فهل لدينا نزعة تقديسية؟
أرجوكم لا تُقدِّسوا التاريخ، قال الشيخ محمد الغزالي وهو من أصدق الناس نظراً في واقع الأمة وتاريخها بسبب ما عنده من نور رباني ، قال تاريخنا العلمي الثقافي في جُملته مُشرِّف، لكن تاريخنا السياسي أسود مُظلِم. وهذا صحيح، إذا أردت أن تفخر، فافخر بالعلماء والأولياء والمُخترِعين والفلاسفة، لكن السلاطين والخلفاء لهم وعليهم، وما عليهم أكثر بكثير مما لهم.
كنت مع صديق ذات يوم ، وحين تحدَّثنا عن بني أُمية، ذكرت له أشياء عن عبد الملك بن مروان صححها الذهبي نفسه، فكابر ولم يرد أن يسمع، فسألته بطريق الحيلة عن رأيه في بني العباس، فأشاد بهم، والأمر نفسه مع المماليك وبني عثمان، أشاد بهم! ثم قلت له هل فطنت إلى أن بني العباس خوارج على بني أمية؟ لقد ذبحوهم وقتلوا أطفالهم الصغار، قتلوهم في مسجد دمشق، وشربوا فوقهم الخمر، وهذا في تاريخ الطبري وتاريخ البرزالي وتاريخ ابن كثير.
فغضب الرجل جداً، ثم قلت له والمماليك خوارج على بني العباس، والعثمانيون فعلوا وفعلوا، ولماذا يأتي السلطان سليم ويقتل قنصوه الغورى ويُعلِّق رأسه على باب زويلة؟ لماذا يأتي يفتح مصر؟ هل مصر كان يحكمها مُلحِد؟ يحكمها مسلم! هذا منطق إمبراطوري، منطق القوة والسُلطة، فما علاقة الإسلام بكل هذا العبث؟