الملك الفيلسوف “إخناتون” والتوحيد
بقلم / عبدالله مهدى
رفع الملك أمنحوتب الرابع ” إخناتون ” (المفيد لأتون ) من قدر ” أتون ” ، وسعى لإجبار كهنة أمون ، على أن يعترفوا بأتون ، كأحد معبودات معبد الكرنك ” حصن عبادة أمون ” ، فقبلوه على حذر ، وسمحوا بتشييد معبد له فى رحاب معبد الكرنك ، ولكن سرعان ما تجلت نية إخناتون ، وغرد بصفات معبوده الجديد ( إنه الحرارة المنبثقة من قرص الشمس ، إنه رب الأفقين ، الذى يتلألأ فى أفقه باسمه كوالد لرع والذى عاد إلينا فى كأتون ،) .
رفض كهنة أمون هذه النعوت وأخذوا يناوئون الملك والمعبود الجديد ، فقوبلوا بقسوة شديدة ، ورحل أخناتون إلى عاصمة جديدة شيدها فى مصر الوسطى ” أخت أتون أى أفق أتون ” ( تل العمارتة حاليا ) ، وجهز حملة قوية هدفها محو كل أثر لأمون وذلك بتهشيم تماثيله وكشط اسمه من فوق ٱثاره ، القائمة وتشتيت كهنته ، وأعلنها حربا على جميع ٱلهة المصريين ، وطالبهم التعبد إلى إله واحد لا شريك له ، هو أتون ، وأبقى معه على المعبودة ” ماعت ” رمز العدل المطلق ، وبهذا كان أخناتون أول من طالب الناس بالتوحيد فى الدين .
ومثله فى رسومه على هيئة قرص الشمس ، تمتد منها أشعة ، ينتهى كل شعاع بيد بشرية تقبض على علامات تعنى الحياة ، ثم ألف أنشودة طويلة ، تشرح صفات المعبود وتعدد مزاياه ، ويتضح منها أنه قد رأى فيه معبودا عالميا ، لا يخص المصريين وحدهم ، بل العالم بأسره .
ويعد النشيد الكبير الذى أبظعه أخناتون ، من روائع ما ترك المصرى القديم من أناشيد ، ويعد كتاب عالم المصريات الكبير الدكتور / أحمد فخرى عن حياة أخناتون وأناشيده وتحليل ديانته ( انظر كتاب مصر الفرعونية ” القاهرة ١٩٥٧ م ” ص ٢٥٧ – ٢٨٤ ) من أفضل المصادر التى تحدثت عى هذا الملك الفيلسوف أخناتون ، وقد ذكر باحثنا الجليل ، أن النشيد الكبير لأخناتون ، يعد الأصل الذى نقل عنه جزء من المزمور رقم ١٠٤ من مزامير داود فى التوراة … وقدم باحثنا ترجمة حرفية لنشيد بأكمله أكتفى بءكر جزء منه :—
أنت تطلع ببهاء فى أفق السماء ،
يا أتون الحى ، ( يا ) بداية الحياة .
عندما تبزغ فى الأفق الشرقى ،
تملأ البلاد بجمالك ،
أنت جميل ، عظيم ،متلألئ ، وعال فوق كل بلد ،
وتحيط أشعتك بالأراضى كلها التى خلقتها ،
لأنك أنت ” رع ” فإنك تصل إلى نهايتها ،
وتخضعها لابنك المحبوب ،
وبالرغم من أنك بعيد فإن أشعتك على الأرض ،
وبالرغم من أنك أمام أعينهم فلا يعرف أحد خطوات سيرك .
وعندما تغرب فى الأفق الغربى ،
تسود الأرض كما لو كان قد حل بها الموت .
(أكتفى بهذه الأسطر من النشيد الكبير لأخناتون )
ولم يقدر لأتون أن يبقى طويلا ، فقد كانت المعارضة ، أشد من قوة احتماله ، فقد تكاثرت عليه الأمراض ، وانتهت عبادة أتون ، بعد انتهاء حكم عائلة أخناتون ، وارتد الناس إلى دين البلاد المتوارث ، وسارعوا إلى الانتقام من أتون وأخناتون وٱثارهما .