أكمل النشار يكتب .. نهاد قطب والفتنة.. كيف هزت قصة ملفقة استقرار مصر؟

أكمل النشار يكتب .. نهاد قطب والفتنة.. كيف هزت قصة ملفقة استقرار مصر؟
في وقت أصبحت فيه “السوشيال ميديا” هي من تتحكم في قلوب وعقول الملايين، أصبحت الكلمة قنبلة موقوتة، قادرة على تفجير أزمات أو إشعال فتن تنسف عقودًا من التعايش.
في قلب هذا الواقع، برز اسم “نهاد قطب”، السيدة التي ألقت بحجر في مياه مصر الراكدة، مُحدثة دوامة طائفية كادت تعصف بالوحدة الوطنية.
قصتها، التي بدأت بمنشورات فيسبوك وانتهت باعتراف صادم، تطرح سؤالاً ملحًا: هل حرية التعبير مبرر للعبث باستقرار وطن؟ وكيف نحمي نسيجنا الاجتماعي من سيناريوهات الفتنة الرقمية؟
بدأت الأزمة عندما نشرت نهاد قطب، التي زعمت أنها صديقة لوالدة الطفل ياسين، سلسلة منشورات درامية عن قصة “ياسين والميس”.
لم تكن مجرد قصة عابرة، بل رواية مشحونة بتفاصيل مثيرة للجدل، زُعم أنها تكشف عن ظلم طائفي.
المنشورات، المكتوبة بأسلوب يحاكي الحقيقة، انتشرت بسرعة البرق، مُشعلة غضب الآلاف ومُحركة مشاعر الانقسام.
تعليقات مسيئة، اتهامات متبادلة، وخطاب كراهية اجتاح الفضاء الرقمي، حتى باتت مصر على شفا أزمة طائفية حقيقية.
لكن الصدمة الكبرى جاءت بعد يومين، عندما خرجت نهاد بمنشور جديد، تعترف فيه ببرود: “أنا من كتبت السيناريو، وأنا من فجّرت الموضوع”.
نعم، القصة برمتها كانت من نسج خيالها، وحواراتها المثيرة لم تكن سوى حبر على فيسبوك.
هذا الاعتراف، الذي بدا كأنه انتصار للحقيقة، أثار في الوقت ذاته موجة غضب عارمة.
كيف يمكن لشخص أن يلعب بمشاعر الملايين ويكاد يدفع بلدًا إلى الهاوية بدافع “الضجة”؟
الوجه القبيح للتواصل الاجتماعي
قضية نهاد قطب ليست مجرد فضيحة فردية، بل تعكس أزمة أعمق في الفضاء الرقمي.
مواقع التواصل، التي كان يُفترض أن تكون جسورًا للتواصل، تحولت في كثير من الأحيان إلى منصات لنشر السموم.
في مصر، حيث يتشابك التاريخ الإسلامي والمسيحي في نسيج وطني فريد، يظل التوازن الطائفي خطًا أحمر.
حرية أم فوضى؟ سؤال البقاء
تثير قضية نهاد قطب جدلاً حادًا حول حدود حرية التعبير.
من جهة، يدافع البعض عن حق الأفراد في الكتابة والإبداع، حتى لو كانت قصصًا خيالية.
لكن من جهة أخرى، هل يُسمح بـ”الإبداع” عندما يُهدد السلم الاجتماعي؟
القانون المصري واضح في هذا الشأن: المادة 188 من قانون العقوبات تجرم نشر أخبار كاذبة تُثير الفزع أو تُهدد الأمن القومي.
لكن المسألة ليست قانونية فقط، بل أخلاقية.
كيف يمكن لشخص أن يتفاخر بـ”فبركة” أشعلت النيران في قلوب الملايين؟ وهل تكفي عقوبة حذف صفحة فيسبوك لردع من يعبثون بالاستقرار؟
هناك من يرى أن محاسبة نهاد يجب أن تكون رادعة، لتكون درسًا لكل من يفكر في استغلال التوترات الطائفية لتحقيق شهرة أو أجندات أخرى.
في المقابل، يحذر آخرون من تضخيم العقوبات، خشية أن تُستغل لتقييد حرية التعبير الحقيقية.
هذا الجدل يكشف عن حاجة ماسة إلى توازن: قانون يحمي الوحدة الوطنية، وتوعية تُعلم الناس كيف يميزون بين الحقيقة والافتراء.
الوحدة الوطنية.. درعنا الأخير
رغم خطورة ما حدث، فإن قصة نهاد قطب تُظهر أيضًا قوة الشعب المصري.
لقد كشفت الحقيقة في الوقت المناسب، ولم تتحول التوترات إلى صدامات فعلية، وهو ما يُحسب لوعي المصريين، مسلمين ومسيحيين، الذين رفضوا الانجرار وراء الفتنة.
هذا الوعي هو درع مصر الحقيقي، الذي حافظ على استقرارها في وجه ألازمات.
لكن هذا الدرع يحتاج إلى صيانة مستمرة، عبر تعزيز التعليم، نشر ثقافة الحوار، ومكافحة الأخبار الكاذبة.
إن الوحدة الوطنية ليست شعارًا نرفعه، بل ممارسة يومية تتطلب تضحيات من الجميع.
الأقباط، الذين تحملوا الإساءات مرات عديدة، يستحقون احترامًا يليق بتضحياتهم.
والمسلمون، الذين يشكلون غالبية هذا الوطن، يتحملون مسؤولية حماية إخوتهم في الوطن من أي ظلم.
معًا، يمكننا أن نجعل من مصر نموذجًا للتعايش، لا مسرحًا لمسرحيات الفتنة.
قضية نهاد قطب ليست نهاية المطاف، بل بداية لمراجعة عميقة.
إنها دعوة لكل مصري ليتساءل: ما الذي أشاركه؟ وما تأثيره على وطني؟ إن الكلمة قد تكون مجرد نقرة على لوحة المفاتيح، لكنها قادرة على إشعال حريق أو إطفائه.
فلنجعل كلماتنا جسورًا للوحدة، لا قنابل للفرقة.
مصر، بمساجدها وكنائسها، تستحق منا أن نكون أكثر حذرًا، وأكثر محبة.