زيارة إلى ضريح الإمام الشافعي

كتب د. عبد الرحيم ريحان
في يوم مولد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام تصحبنا الدكتورة نعيمة داوود منسق عام الرحلات بحملة الدفاع عن الحضارة المصرية في رحلة روحانية إلى ضريح الإمام الشافعى بمنطقة القرافة الصغرى بالقاهرة.
الضريح في اللغة العربية مشتق من الفعل “ضرح” ويقصد به الشق أو اللحد وسط القبر وقيل هو القبر بلا لحد وقيل الضريح القبر كله لأنه يشق في الأرض وأطلقت تسمية الضريح تجاوزًا على البناء المقام على القبر لأن الأصل في الشيء هو الدفن كما أطلقت كلمة الضريح على التوابيت الخشبية والتراكيب التي تعلو القبور.
والضريح في البلاد الإسلامية من العمائر التي اعتنى المسلمون بتشييدها وتخصيصها لدفن الخلفاء والملوك وأهل الفضل والصلاح ويقصد بها البناء الذى يقام على رفات شخص ما ذى مكانة دينية أو سياسية تخليدًا لذكراها وكانت تبنى هذه الأضرحة على شكل مربع أو مستطيل أو مثمن تعلوه قبة أو عدة قباب أو على شكل برج مخروطى كما تبنى الأضرحة مستقلة عن أى بناء أو ملحقة بمبان أخرى.
وتشير الدكتورة نعيمة داوود إلى أن مصر الإسلامية عرفت الأضرحة وإقامة القباب فوقها منذ منتصف القرن الثاني الهجرى/ الثامن الميلادى، ويعد مشهد آلـ طبا طبا بعين الصيرة الذي شيد في العصر الإخشيدى سنة 943م/ 334هـ أقدم مثال لهذا النوع من العمائر الدينية
وانتشرت هذه الظاهرة في العصر الفاطمي الذي شهد إقامة الكثير من المدافن ذات القباب خاصة فوق قبور آل البيت والتي عرفت بالمشاهد وورث العصر الأيوبى تغطية الأضرحة بقباب ووجدت عدة أمثلة على ذلك ومنها ضريح الإمام الشافعي الذي ينسب لهذا العصر.
يقع ضريح الإمام الشافعى بالقرافة الصغرى وكان في الأصل تربة لأولاد ابن الحكم دفن بها الإمام محمد بن ادريس بن العباس بن سائب الشافعى بعد وفاته 819م/ 204هـ، لذا عني به صلاح الدين الأيوبى بعد توليه السلطنة لانتمائه للمذهب الشافعى بل وشيد مدرسة لتدريس هذا المذهب بجوار الضريح وبنى السلطان الكامل قبة كبيرة على هذا الضريح قبل أن يلى السلطنة ووصل إليه المياه من بركة الحبش بواسطة قناطر وذلك بعد وفاه أمه ودفنها بضريح الإمام الشافعى
وأشارت بعض الروايات التاريخية أن أم السلطان الكامل هى التي أمرت بتشييد هذه القبة فوق الضريح وكتبت اسم السلطان الكامل عليها.
عمارة الضريح
تنوه الدكتورة نعيمة داوود إلى أن القبة الموجودة فوق الضريح تشكل مربعًا طول ضلعه من الخارج عشرون مترًا وتتألف من ثلاثة طوابق رئيسية، الطابق السفلي يبلغ ارتفاعه 10,62 متر وهو مشيد من الحجر وفتحت في كل واجهة من واجهاته الأربع نافذة وسطي يحيط بها من كل جانب حنيتان معقودتان، وتعلوه شرفة زينت بالزخارف الهندسية المجدولة والمفرغة يقطعها دعامات من الآجر المغشي بالجص غطيت بزخارف متنوعة تضم كتابات متداخلة وعناصر هندسية وزخارف نباتية مفرغة او شبه مفرغة نسقت تنسيقًا متوازنًا بديعًا يعكس تأثيرًا مغربيًا أندلسيًا. ويشكل الطابق الثاني مثمنًا بارتفاع 6,16 متر يرتد إلى الداخل قليلًا فوق الطابق الأرضي بحيث ينشأ ممر يلتف حوله ويزين أضلاعه جامات وأشكال هندسية وزخارف نباتية وينتهى هذا الطابق بصف من الشرافات المدرجة.
يعلو هذا الطابق قبة مشيدة من الخشب ومكسية بألواح من الرصاص فتح برقبتها ست عشرة نافذة لإضاءة القبة وتهويتها، يعلو قمتها هلال مثبت به عشارى من النحاس يبلغ طوله مترين يتدلي من سلسلة حديدية قيل أنها اعدت ليتسلقها من يريد الوصول إلى هذا المركب.
تضاربت الآراء بصدد الغرض من هذا العشارى؛ فقيل إنه أعد لكي يوضع به نصف أردب من الحبوب لإطعام الطيور وقيل أنه وضع رمزًا لما عرف عن الامام الشافعى من علم غزير كأنه البحر الزاخر
ولكن الرأى بأنها وضعت لكى يوضع بها الحبوب لتغذية الطيور فأمر غير مقبول لصعوبة التسلق إليها في يسر وأما أنها رمز لعلم الشافعي وسعه اطلاعه فهو أقرب الآراء الى المنطق لأنه بحر العلوم.
يتم الوصول إلى داخل القبة الضريحية عن طريق مدخل وحيد بالجهة الشمالية الشرقية يبلغ اتساعه 1,58 يؤدى إلى ممر قصير عليه بابان أحدهما خارجي حديث نسبيًا، له مصرعان مصفحان بالفضة والآخر داخلى يتألف بدوره من مصراعين يشتمل وجهها المطل على القبة من حشوات يعلوها زخارف هندسية ونقوش نباتية ويحيط بها أبيات شعرية.
يؤدى هذا المدخل إلى داخل قاعة الضريح ذات تخطيط مربع، طول ضلعها خمسة عشر مترًا وبها نافذتان تتوسط أحدهما الجدار الغربي للقاعة ويعلوها جلسة عميقة بسمك جدران المبني يغطيها سقف خشبي يتألف من قصع مثمنه، يعد أقدم الأمثلة في مصر الإسلامية
ويغطى فتحة النافذة مصبعات حديدية يحيط بها إطار خشبي ويعلوها من الخارج عقد مستقيم من الخشب نقش عليه نصًا تاريخيًا بخط النسخ الأيوبى ويبدو أن هذه النافذة حلت محل الباب الرئيسى للقاعة الذي كان يشغل منتصف هذا الجدار في أيام السلطان الكامل أما النافذة الثانية فتشغل الطرف الغربى من الجدار الشمالي وكانت في الأصل بمثابة المكان المؤدى إلى المقابر الموجودة أسفل القبة.
يوجد بجدار القبلة في الضريح ثلاثة محاريب مجوفة أكبرها المحراب الأوسط وهو من الرخام المتعدد الألوان ويستند عقده على عمودين صغيرين من الرخام أيضًا، أضيف إليه محراب رابع في الزاوية الجنوبية الشرقية في القرن التاسع الهجرى/ الخامس عشر الميلادى أيام السلطان الأشرف قايتباى لتصحيح اتجاه القبلة.
ويغطى جدران قاعة الضريح وزرات رخامية متعددة الألوان يعلوه إطار خشبي يزينه زخارف نباتية وهندسية تنسب إلى عصر الانشاء أيام السلطان الكامل يعلوه شريط به زخارف مرسومة بالطلاء عليه ابيات من الشعر باللون الذهبى ترجع إلى اعمال على بك الكبير بالضريح.
تضم قاعة الضريح أربع تراكيب خشبية، أهمها تحمل اسم الامام الشافعى وهى مصنوعة من خشب الساج الهندي وعلى شكل منشورى مستطيل الشكل يعلوه جزء هرمى، تتألف جوانبها الأربعة من حشوات هندسية متعددة الأضلاع تشكل أشكالا نجمية ومثلثات يزينها زخارف نباتية يحيط بها أحيانًا زخارف هندسية أو كتابات عربية منقوشة بالخط الكوفي وخط النسخ الأيوبي
تتضمن الكتابات أربعة أسطر تشير إلى ضريح الإمام الشافعي وتاريخ وفاته وتتضمن الكتابات النسخية نصًا يشير إلى اسم الصانع “عبيد النجار المعروف بابن معالى” وتاريخ صنع التركيبة، وبالقاعة تركيبة أخرى تعلو قبر ام السلطان الملك الكامل تتألف من أربعة جوانب تضم حشوات متعددة الأضلاع تزدان بزخارف نباتية دقيقة تشبه حشوات تركيبة الإمام الشافعى، وتضم أشكالًا نجمية وزخارف هندسية بها نقوش نباتية وكتابات نسخية أيوبية تشير إلى المرحومة أم السلطان الكامل، وتضم قاعة الضريح أيضًا تركبتين أخريين إحداهما تعلو قبر السلطان الكامل يحيط بها مقصورة مطعمة بالصدف، والثانية تعلو قبر أسرة الفقيه عبد الحكم التي استضافت الإمام الشافعى عند قدومه إلى مصر وكلاهما لا توجد عليه زخرفة.
الترميم والصيانة
تشير الدكتورة نعيمة داوود إلى أعمال الترميم ومنها أعمال بأمر السلطان الأشرف قايتباى بتجديد عمارة الضريح وتجديد الرخام والزخرفة وأضاف المحراب الرابع لتصحيح اتجاه القبلة واسمه موجود على النقش الذى يعلو المحراب
كذلك قام السلطان قانصوه الغوري بتجديد الضريح والقبة، أما على بك الكبير فقد قام سنة 1186هـ/ 1772م بإزالة الرصاص المغطي لخشب القبة الذى عمله السلطان الكامل بسبب تآكله ووضع بدله خشبًا وغطاه بصفائح جديدة من الرصاص وأصلح كذلك الزخارف الداخلية بطلاءات متعددة الألوان أهمها اللون الذهبى واللازورد، وقام كذلك عبدالرحمن كتخدا سنة 1776م/ 1190هـ بإصلاح أرضية مدخل القبة وكسوتها بالزيلج المغربي الذي يشبه الموجود بقصر الحمراء بغرناطة بالأندلس.
المراجع
عبدالرازق، أحمد، العمارة الإسلامية في مصر منذ الفتح العربى حتى نهاية العصر المملوكي، (21-923هـ/ 641-1517م)، دار الفكر العربى القاهرة، 2009م.
نعيمة محمد إبراهيم، آثار مصر الإسلامية، القاهرة 2025