ثقافة وفن

ما السر وراء تقديم القهوة في صوان العزاء؟!

أكمل النشار 

اكتشف مشروب القهوة لأول مرة – كما تروي الكتب – أحد متصوفي الیمن ، وهو علي بن عمر بن إبراھیم الشاذلي، في العام 828 للھجرة.

وظهر أقرب دليل موثوق به سواء على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن، في منتصف القرن الخامس عشر، في الأديرة الصوفية في اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية. وقد انتشرت القهوة من إثيوبيا إلى اليمن ومصر وشبه الجزيرة العربية، وبحلول القرن الخامس عشر وصلت إلى أرمينيا وبلاد فارس وتركيا وشمالي أفريقيا. وقد انتشرت القهوة من العالم الإسلامي، إلى إيطاليا، ثم إلى بقية أوروبا وإندونيسيا وإلى الأمريكتين.

لكن هل تعلم أن شرب القهوة كان محرماً في منطقة الحجاز في مطلع القرن العاشر الهجري؟ وكانت تعد القهوة من المسكرات التي يترتب على شربها مفاسد كثيرة، لذلك كان يحكم على شاربها بالسجن والجلد، وكان يُطاف به على الناس في مكة المكرمة ليكون عبرة لغيره.

ألف الجزيري الحنبلي (القرن 10 هجري) كتاب اسمه «عمدة الصفوة في حل القهوة» وناقش القهوة من منظور فقهي إسلامي، حيث قال:

«فمن قائل بحلها يرى أنها الشراب الطهور المباركة على أربابها الموجبة للنشاط والإعانة على ذكر الله تعالى وفعل العبادة لطلبها ومن قايل بحرمتها مفرط في ذمها والتشنيع على شربها.»

وذكر الجزيري أن القهوة سببت فتناً في مكة ومصر والحجاز وغيرها من بلاد المسلمين، حتى أنه روي أن بعض الأمراء أمر بهدم المقاهي وتكسير أواني الشرب وإتلاف حبوب البن ومعاقبة من يشربونها.

 

وروي فیما مضى أنه كانت ھنالك مقاه تبدو كالخمارات ویجتمع علیھا رجال ونساء مصحوبین بالدف والرباب وغیر ذلك من الآلات الموسیقیة، ما قاد مجموعة من العلماء إلى تحریمھا.

 

 

 

 

وذكر في كتاب «الكواكب السائرة» للنجم الغزي : «اختلف العلماء في أوائل القرن العاشر في القھوة
وفي أمرھا، حتى ذھب إلى تحریمھا جماعة ترجح عندھم أنھا مضرة، وآخر من ذھب إلیھا
بالشام والد شیخنا الشیخ شھاب الدین العیثاوي، ومن الحنفیة القطب ابن سلطان، وبمصر الشیخ
أحمد بن أحمد بن عبدالحق السنباطي ، والأكثرون ذھبوا إلى أنھا مباحة، وقد انعقد
.«الإجماع بعد من ذكرناه على ذلك – أي على الإباحة.

 

 

 

 

وثمة أرجوزة للشاعر عمریطي المتوفى في العام 979 ھـ في تحریم القھوة یقول فیھا: الحمد
الذي قد حرما.. على العباد كل مسكر وما یضر في عقل ودین أو بدن.. وما یجر للفساد والمحن
اعلم بأن القھوة المشھورة.. كریھة شدیدة المرورة ویذكر البعض أنھا حرمت بسبب أن القھوة
اسم من أسماء الخمرة قدیما، ویرى البعض أن ما قصده عمریطي في أرجوزتھ ھي الخمرة
.ولیست القھوة التي یشربھا العرب في مجالسھم.

 

 

 

وقد حرمھا الشیخ الحنفي، والسید البلیدي، والشیخ الدمیاطي، والشیخ عمر الطحلاوي، وغیرھم
من شیوخ الدین. وتسبب ذلك في إغلاق المقاھي في مكة في العام 1511 ،وتم تحطیمھا أیضا
.في القاھرة في العام 1534 ،ثم انتھى المطاف بفتوى جوازھا من علماء الأزهر.

 

 

 

 

وفي نهاية عام 1572 صدرت فتوى بالقاهرة تقضي بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، وبغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة والتجاهر بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها ، ولتنفيذ هذا الحكم كما يصف الجزيري: “كان العسس على الفحص وبيوتها وباعتها شديدًا جدًّا، وضربوا وأشهروا وهدموا البيوت وكسروا أوانيها المحترمة الطاهرة التي هي مال لرجل مسلم “.

 

 

 

فأرسل تجار البذور والبن و منتجي القهوه و البائعين وفدا الي الشيخ احمد السنباطي يطلبوا الرجوع عن الفتوى ، فكان رده : ما دام القهوة تؤثر في العقل ايجابا او سلبا فهي حرام !.

 

فقامت معركه حامية بين مؤيدي الشيخ و فتواه و بين التجار و مؤيديهم من البائعين ، و يموت احد مؤيدي التجار ، فهرب الشيخ ومؤيدوه الى مسجد ، فحاصر التجار المسجد من كل جانب ،وجائهم خبر وفاة شاب اخر منهم وخبر اخر يؤكد ان هناك شاب في حالة خطرة ، الى ان علموا بموته .. فكانت صدمة كبيرة عليهم ، و من ثم قرر التجار الاستمرار في محاصرة الشيخ ومؤيدي فتوى تحريم شرب القهوة في مسجدهم.

اشترك أهالي القتلى في الحصار وبقدوم الليل ارسلوا احدهم لاحضار بطاطين و عمل صوان بأعمدة لتقيهم البرد، و نكاية في مؤيدي الفتوى قام التجار ووزعوا مشروب ساخن ، كان قهوة سادة بدون سكر !.

 

استمر الحصار ثلاثة ايام مع استمرار حالة الفوضى و الشغب، حتي وصل امر الاضطرابات الى السلطان العثماني مراد، والذي قام بتعيين مفتي جديد والذي استصدر فتوى جديدة بعدم حرمة شرب القهوة .

اعتبر التجار ومؤيدي شرعية شرب القهوة ان هذا التغيير انتصارا لهم ولأرواح شهداء القهوة ،و سمي مشروب البن بالقهوة التركي ، ربما لان من افتى بجوازها مفتي السلطان العثماني .

 

 

 

و هكذا أصبحت القهوة من حادث جلل الى عادة عند أهالي تجار البن في القاهرة ثم الي كبار الاعيان ثم الى اقاليم مصر ، فكان و لا يزال أي ميت يقام له صوان ، يقدم للمعزيين القهوة السادة !

 

ِِAKmal ELnashar

صحفي وكاتب مصري
زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights