حضارة وتاريخ

الملك مينا موحد القطرين

 

كتبت : خلود طلعت لبيب

 

اختلف علماء الآثار في تحديد هوية الملك مينا، إلاَّ أنَّ بعضهم نسب أصوله إلى الملك نارمر، بينما بعضهم الآخر نسب أصوله للملك حور عحا، وآخرون رأوا أنَّ الشخصيات الثلاث تعود للملك مينا مؤسس الأسرة المصريّة الفرعونيّة الأولى (مدينة الأقصر).

 

ويُعتبر الملك مينا أحد أبرز الملوك المؤسّسة والمؤثّرة في التاريخ المصري القديم، إذ إنّه صاحب أول مبادرة صلح واتفاقية سلام في العالم، وهو أول من جلس على العرش في التاريخ. معلومات عن الملك مينا الاسم والألقاب لفظة مينا أو ميني باللغة الهيروغليفي تعني: يؤسس أو يبني أو يشيّد، أمّا في اللغة القبطية فلها معانٍ كثيرة منها: راسخ وثابت، أو دائم وباقٍ. أُطلق على الملك مينا عدة ألقاب منها ملك الأرضين، وصاحب التاجين، ونسر الجنوب، وثعبان الشمال؛ كناية عن امتلاكه الحنكة والحكمة والذكاء معاً. حياة الملك مينا وأهمّ إنجازاته يعود الفضل للملك مينا في توحيد القطرين، وتأسيس حكومة مركزية بعقد زواج، وذلك في عام ثلاثة آلاف ومئتين ما قبل الميلاد، حين أنهى حرباً طاحنة دارت رحاها لعقود بين مملكتي الشمال والجنوب المصري، حتّى كادت أن تقضي على شعبيهما، فعاجل مينا في الذهاب إلى والده بارمورالذي كان حاكم مصر العليا (الجنوبية)، وطلب منه أن يترك له زمام الحكم لمدة أسبوع فقط، مقابل أن يُنهي تلك الحرب ويوقف ويلاتها؛ ولأنه الابن الوحيد لأبيه، قبل والده وعمل برأيه ونصّبه ملكاً، فأرسل مينا وفداً إلى حاكم مصر السفلى (الشمالية) لإيصال الرسالة الآتية: (لقد طالت الحرب عشر سنوات ولم تنته، ولقد نادى بي والدي ملكاً، وأرغب الصلح معك، إنّ لك ابنة واحدة وليس لأبي ولد سواي، فدعني أتزوج ابنتك فتكون ملكة معي، ونجمع العرشين في عرش واحد، وأبني عاصمة جديدة تقع في منتصف المسافة بين عاصمة ملكك وعاصمة ملك والدي). فأُعجب الحاكم بالفكرة وزوّج ابنته من مينا، وهكذا أصبحت مصر مملكة واحدة لملك واحد، ومن أجل حماية مملكته وتحصينها بنى مدينة وسطى كما بنى فيها قلعة حربية مسوّرة بسور أبيض، وأطلق عليها تسمية (من-نفر) وتعني: الميناء الجميل أو الجدار الأبيض، وسرعان ما أصبحت عاصمة مصر وقد سماها العرب (منف)، بينما أطلق الإغريق عليها اسم (ممفيس)، وأصبح لها شأن عظيم في العالم القديم. ويُشاع أن نهاية الملك مينا كانت بأن قُضي عليه في غفلة من حرّاسه وخدّام عرشه حين هاجمه فرس النهر، وأنهى حياته بعضّة منه.

 

على الاغلب اول المصريين القدماء!!!

فقد استطاع الملك مينا حاكم مملكة الجنوب، توحيد الوجهين البحري مع القبلي حوالى عام 3200 ق.م، وكون لمصر كلها حكومة مركزية قوية، وأصبح أول حاكم يحمل عدة ألقاب، مثل: ملك الأرضين، صاحب التاجين، نسر الجنوب، ثعبان الشمال، وكان كل ذلك تمجيداً لما قام به هذا البطل العظيم من أعمال. وبذلك أصبح الملك “مينا” مؤسس أول أسرة حاكمة فى تاريخ مصر الفرعونية، بل فى تاريخ العالم كله، ولبس التاج المزدوج لمملكتي الشمال والجنوب.

 

أدرك الملك “مينا” ضرورة بناء مدينة متوسطة الموقع، يستطيع منها الإشراف على الوجهين القبلى والبحري، فقام بتأسيس مدينة جديدة على الشاطئ الغربي للنيل مكان قرية “ميت رهينة” الحالية بمحافظة الجيزة، وقد كانت في بادئ الأمر قلعة حربية محاطة بسور أبيض، أراد بها صاحبها أن يحصن ويحمى المملكة من غارات أصحاب الشمال، وكان “مينا” قد أسماها “نفر” أى الميناء الجميل، وفيما بعد سميت باسم “ممفيس” زمن اليونان، ثم سماها العرب “منف”، وقد أصبحت مدينة “منف” عاصمة لمصر كلها فى عهد الدولة القديمة حتى نهاية الأسرة السادسة.

 

تم تسجيل انتصارات الملك مينا على مملكة الشمال وتوحيده البلاد، على وجهى لوحة تعرف باسم “لوحة نارمر”، والتي كرست للملك وتم الكشف عنها عام 1897، ويرجح المؤرخون أن “نارمر” هو “مينا”، وقد وجدت هذه اللوحة في مدينة “الكاب”، وهي موجودة حاليا بالمتحف المصري بالقاهرة، وللوحة وجهان، الوجه الأول يصور الملك “مينا” وهو يقبض على أسير من أهل الشمال، وعلى رأسه التاج الأبيض، بينما يصور الوجه الآخر الملك “مينا” وهو يحتفل بانتصاره على مملكة الشمال، وهو يلبس التاج الأحمر.

 

وقد أعقب هذا الانتصار الذي قام به مينا، تطور هائل في الحضارة المصرية وتبلور لمبادىء الحكومة المركزية، وكانت هذه الوحدة عاملا هاما في نهضة مصر الفرعونية في شتى نواحي الحياة.

 

و قد صور الجزء العلوى من وجهى الصلاية برأس البقرة حتحور تكتنف السرخ أو ما يسمى بواجهة القصر الملكى (و كان مسورا تنظمه مشكاوات) يحوى الأسم الحورى للملك (أى لقب الإله حورس)، و قد كتب اسم نارمر (نعرمر) من مقطعين تعبر عنهما من علامات الكتابة المصرية القديمة (الخط الهيروغليفى) سمكة القرموطع نعرع و الأزميلع مرع. و قد تتوجه بعض الأراء الى أن السمكة ما هى إلا نوع من أنواع سمك البحر الأحمر .

 

 

و قد مثل الملك على أحد وجهى الصلاية بحجم يستغرق اغلب المساحة بالتاج الأبيض لمملكة الجنوب و نقبة قصيرة مزخرفة يتدلى من خلفها ذيل ثور و من ورائه ساقيه و حامل نعليه إذ يهم الملك بمقمعته المرفوعة فى كفه بضرب اسير راكع يمثل أهل الدلتا. و قد أصبح هذا المنظر تقليدا فنيا متبعا يرمز للنصر منذ مطلع الأسرات المصرية حتى ختامها. و من رموز الوحدة كذلك ما صور من أرض زاخرة بالنبات يخرج من حافتها رأس محزوم بحبل يمسك به بقبضته البشرية صقر الحر(و هو هنا الإله حورس) قائما على الأرض بنباتها تعبيرا عن هيمنة الملك على الوجه البحرى .أم المنظر أسفل الصلاية ففيه قتيلان من الأعداء سجل مع كل منهما اسم مدينته.

 

و على الوجه الآخر للصلاية صور موكب النصر حيث نجد الملك هنا بتاج مملكة الدلتا الأحمر يتبعه ساقيه و حامل النعال و يتقدمه كبير أعوانه و لعله الوزير ثم أربعة من حملة ألوية المقاطعات متجهين صوب معبد حور حيث قتلى العداء مغلولة أيديهم ساقطة رؤوسهم المقطوعة بين أرجلهم و فى وسط الصلاية حيونان خرافيان متعانقان و قد امسك بمقودهما رجلان رمزا لقيادة القطرين و قبض زمامهما حيث شكلت الأعناق الطويلة المتعانقة بؤرة الصلاية .

وفى المنظر أسفل الصلاية يبدو الملك كهيئة الثور مندفعا بقوته نحو حصن اقتحم اسواره فحطمها حيث سحق من اعترض طريقه فى صورة رجل طريح يطأه بأقدامه . و تعد هذه الصلاية من أشهر آثار المتحف المصرى و من أهم الأعمال الفنية الممتازة و ذلك بما تحويه من مناظر و رسوم و رموز و شواهد تاريخية على وحدة البلاد السياسية منذ زهاء خمسة آلاف عام.

 

كما تقوم شاهدا على نشاة الكتابة التصويرية الرسمية (الهيروغليفية ) فضلا عن اسس التقاليد الفنية التى سادت من بعد فى تصوير الملوك و الأرباب .و هذه الصلاية الرائعة مصنوعة من الأردواز او الشست و يبلغ ارتفاعها 64 سم ، وعرضها 42 سم ،اما سمكها فحوالى 2.5 سم .و قد عثر عليها كيوبيل فى عام 1894 فى هيراكنوبوليس ( الكوم الأحمر بالقرب من ادفو)و ترجع الى عهد الملك نعرمر فترة توحيد البلاد حول عام 3000 ق .م.

 

 

وفاة الملك الملك مينا “موحد القطرين” هو أول من استطاع أن يوحد القطرين وهما مملكتين الشمال والجنوب بالرغم من أن هناك محاولات أخرى من ملوك سابقين لتوحيد القطرين لكنها فشلت ولم تكتمل، ولهذا لقب بموحد القطرين بالإضافة إلى عدة ألقاب منها: ملك الأرضين، صاحب التاجين، نسر الجنوب، ثعبان الشمال، ويعتبر الملك مينا هو مؤسس الأسرة الأولى الفرعونونيه.

 

مينا أم نعرمر يعتقد الكثير من الباحثون أن نعرمر ومينا شخص واحد، حيث كان لكثير من الفراعنة أكثر من اسم، ووفقاً لقوائم الملوك القدماء التي تضم أسماء جميع الملوك منذ الأسرة الأولى حتى الملك “سيتي الأول”. ومن بين هذه القوائم لوحة “أبيدوس” وكذلك بردية “تورين” الموجودة بمتحف “تورين” بإيطاليا، واعتقد علماء الآثار في البداية أن مينا هو نعرمر ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن نعرمر ليس مينا، وإنما الملك نعرمر هو ملك حكم مصر في فترة قبل الأسرة الأولى مباشرة. وكما أثبتت الدراسات أن مينا هو ملك أخر جاء بعد نعرمر، ولقب مينا أيضاً باسم “حورعحا” واسم “عحا” يعني المحارب والذي نعرفه من خلال آثاره، فقد شيد في سقارة مقابر ضخمة من الطوب اللبن لنفسه ولأسرته. مدة حكم الملك مينا حكم الملك مينا البلاد لمدة 62 عاماً وكانت هذه الفترة مليئة بالانتصارات والإنجازات المختلفة له، فقد استطاع الملك مينا خلال هذه الفترة أن يحارب الأعداء وأن يحافظ على بقائهم بعيداً عن البلاد. كما أنه استطاع أيضاً أن يحمي البلاد ويحافظ على حدودها من الغارات المختلفة من النوبيين والليبيين، وكان الشعب يعتبره بطل شجاع وحاكم عظيم استطاع خلال فترة إدارته للبلاد أن ينشر الأمن والسلام في جميع أنحاء البلاد.

 

أهم أعمال الملك مينا

يعتبر الملك مينا هو مؤسس أول عاصمة لمصر الموحدة، وأختار لها مكاناً يرتبط بين الشمال والجنوب وعرفت هذه العاصمة فيما بعد. ويعتبر الملك مينا هو أول من قام بترويض نهر النيل، حيث أقام أول عمليات شق الطرق وإقامة الجسور على ضفاف النيل، وأغلق فرعاً للنيل حيث يصب الفيضان في المجرى الرئيسي لتسهيل النقل والملاحة.

 

تاريخ جداريه الملك مينا يعتبر الملك مينا هو من أوائل ملوك الأسرة الفرعونية الأولي، ولقد بدأ الملك مينا في استعمال الكتابة باللغة الهيروغليفية في جميع المعاملات التجارية، وبدأ أيضاً باستعمال الأحجار والصخور المختلفة في التشييد والبناء. وخلال عصر ما قبل الأسرات كانت الصلايات تستخدم عادة لطحن مستلزمات التجميل المختلفة ومن أهمها الكحل، الذي كان يستخدمه الفراعنة من أجل تجميل العيون وحمايتها من أشعة الشمس.

 

واتخذ الملك مينا قراراً باختيار الصلاية ليتم حفر وكتابة انتصاراته المتعددة عليها، لأنها كانت مصنوعة من الحجارة، ولأنه كان لا يستطيع الحفر على جدران المعابد حيث أنها كانت يتم بنائها في ذلك الوقت من الطوب اللبن.

وتحتوي هذه الصلايات على وجهان وجه أمامي وأخر خلفي، ويحتوي على جزء به تجويف يستخدم في طحن الكحل، ولكن بعد ذلك أصبح وجه هذه الصلاية يستخدم في تدوين وتسجيل الأحداث الهامة والمميزة مثل تأسيس وافتتاح المدن وأيضاً الانتصارات والإنجازات الخاصة بالملوك.

 

مكان جداريه الملك مينا تم العثور على جداريه الملك مينا “صلاية” بواسطة العالم البريطاني “كوبل” وبالتحديد خلال عام 1898 في منطقة “هيراكونبوليس” والتي تعرف اليوم باسم الكوم الأحمر وتقع في شمال إدفو في صعيد مصر، وتم صناعة هذه اللوحة أو الجدارية من حجر الشيست الأخضر، وتوجد هذه الصلاية حالياً في المتحف المصري بالقاهرة، وتعتبر من أهم وأثمن القطع الأثرية في المتحف. زوجة الملك مينا تزوج الملك مينا من الأميرة “نيت حوتب” وهي كانت أميرة من الشمال وهو ملك من الجنوب وتزوجها تدعيماً للوحدة، ومعني اسم “نيت حوتب” في المصرية القديمة “الربة نيت راضية” وكانت حامية إقليم الدلتا. وقد تزوجها بعد أن قام بإخضاع الأقاليم الشمالية لمصر تحت حكمه وقام بتوحيد القطرين، ولكي يجعل إحدى أميرات الشمال ملكة على مصر كلها وبذلك يضمن ولاء هذا القطر وقد أنجبت هذه الملكة ابناً وهو “حور عما” الذي أصبح فيما بعد ثاني ملوك الأسرة الأولي. وكانت الصور تظهر الملكة زوجة الملك مينا وفوق رأسها التاج الأحمر وهو تاج الشمال، وتقول الأسطورة القديمة أن هذه الملكة إحدى الربات الأربع الحاميات مع كلاً من إيزيس، ونفتيس، وسركت. وللملكة “نيت” نقش على الحجر الجيري في مقابر حلوان، كما شيد لها قبراً في “أبيدوس” وهو من أروع آثار تلك الفترة الفرعونية، وقد عثر داخل هذه المقبرة على مجموعة من القطع العاجية دون على كلاً منها مجموعة من الأرقام تحت رسم يمثل عقداً أو سواراً، وتلك القطع ملصقة على صناديق تضم قطعاً من الحلي وضعت بجوار جثمان الملكة. وفاة الملك مينا انتهز الملك مينا فرصة إحدى زياراته لمدينة منف لقضاء بعض الوقت في ممارسة هواياته المفضل لصيد الطيور والأسماك، وفي أحد الأيام اصطحب الملك بعض حرسه الخاص ونخبه من أصدقائه المقربين وخرج للصيد كعادته. وأغراهم كثرة الصيد فتوغلوا في الأحراش وابتعد الملك مينا عن رفاقه وأصبح وحيداً وهو يتبع أحد أفراس البحر المفترسة، وكان جسوراً وشجاعاً رغم كبر سنه فأخذ يقترب من الفريسة وفي يده رمحه محاولاً قتلها بضربه واحدة، فهجم عليه الفرس بوحشيه وقتله وفي هذه اللحظة صرخ الملك صرخة مروعة فسمعها الحرس. فأسرعوا يبحثون عن مكان الحادث ووصلوا للملك، ولكن بعد فوات الأوان ولكنهم قاموا بقتل فرس البحر، وتم نقل جثة الملك إلى قصره في منف حيث قام الكهنة بتحنيط الجثة وتكفينها. ثم وضعوا الجثة في تابوت حجري ونقل في احتفال مهيب إلى إحدى السفن الراسية في الميناء التي أبحرت به إلى عاصمة الملك في الجنوب، ووصلت الجثة إلى المعبد. اجتمع الشعب لتوديع الملك المحبوب، ثم نقلت الجثة في تابوتها الحجري إلى الجبانة بالقرب من العاصمة “أبيدوس”، حيث وضعت في القبر الذي أعده الملك لنفسه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights