دنيا ودين

المفتي يصدر فتوي في كتاب جديد تفرض على المسلمين حماية دور عبادة الأديان الأخرى

إصدار جديد ” بعنوان حماية دور العبادة” يحمل فلسفة الإسلام فى محاربة العنصرية ضد الأديان الأخرى باسم الإسلام كذبا وزورا لمن يدعون التدين الشكلى، ويدفعون بشحنات التطرف عبر مزاعم لا تمت للإسلام بصلة.

ويقول الكتاب: إن فلسفة ديننا السمح على الإيمان بالتنوع والاختلاف، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ”، وأكد سبحانه وتعالى التنوع في الخلق آية من آيات الله (عز وجل)، حيث يقول في كتابه العزيز : “وَمِنْ آَيَـاتِهِ خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِـلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْـوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ”.

ويؤكد الكتاب أن الله سبحانه وتعالى عظم شأن المشتركات الإنسانية في جميع كتبه المنزلة ورسالاته التي أرسل بها رسله (عليهم السلام)، فأجمعت الشرائع السماوية قاطبة على مبادئ: الحق، والعدل، والتسامح، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، والصدق في الأقوال والأفعال، وبر الوالدين، وحرمة مال اليتيم، ومراعاة حق الجوار، والكلمة الطيبة، فمصدر التشريع السماوي واحد، ولهذا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): “الأنبياء إخوة لعلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد”.

ويضيف الكتاب أن الشرائع قد تختلف في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساسًا  للتعايش لم تختلف في أي شريعة  من الشرائع، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

ويتسأل الكتاب الصادر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فى 230 صفحة، ومن تقديم مفتى الجمهورية ووزير الأوقاف: فأروني أي شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين، أو أكل السحت، أو أكل مال اليتيم، أو أكل حق العامل أو الأجير، وأروني أي شريعة أباحت الكذب، أو الغدر، أو الخيانة، أو خُلف الوعد أو نقض العهد، أو مقابلة الحسنة بالسيئة.

وقال المؤلف: إيمانًا منا بضرورة دراسة المستجدات والقضايا العصرية دراسة دقيقة، وإبراز الوجه الحضاري السمح لديننا الحنيف، واقتحام المشكلات الصعبة بحكمة وشجاعة معًا على أيدي العلماء والفقهاء المتخصصين، وانطلاقًا من قوله تعالى :” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ”، وإيمانًا منًّا بالتنوع والاختلاف الذي هو سنة من سنن الله الكونية، وترسيخًا لأسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز، وتأصيلاً لفقه العيش الإنساني المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة، وعطفًا على ما أكده كل من فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان في وثيقة الأخوة الإنسانية من أنَّ حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجبٌ تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية، وكل محاولة للتعرض لدور العبادة ، واستهدافِها بالاعتداء أو التفجير أو التخريب، هي خروجٌ صريحٌ عن تعاليم الأديان، وانتهاكٌ واضحٌ للقوانين الدولية.

واستكمل الكتاب: خروجًا من ضيق الأفق الفكري إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر، وحرصًا منًّا على إبراز حقوق الآخرين علينا إنصافًا من أنفسنا، وتأصيلاً لمبدأ الاحترام المتبادل، ودحضًا للفكر المتطرف، والتأكيد للعالم كله على سماحة الإسلام، وأن ما يحاك ضده من محاولات تشويه لا يمت لسماحته بصلة.

لهذا كله كان إصدار هذا الكتاب “حماية دور العبادة” الذى عكف على إعداده وإخراجه نخبة من العلماء المتخصصين المستنيرين كتابة وتدقيقا ومراجعة ختمت بمراجعتنا ومراجعة فضيلة د. شوقي علام مفتي الجمهورية.

وأرد الكتاب: نؤكد على أن الحماية التى ننشدها لدور العبادة هى الحماية المادية والمعنوية معا، حماية دور العبادة مبنى ومعنى وروادًا وقاصدين، بما يشمل الحماية المادية من التخريب أو التفجير أو السرقة أو النهب أو العبث، والحماية المعنوية من محاولة غير المؤهلين والمتاجرين بالأديان استخدام دور العبادة أو توظيفها فى غير ما خصصت له، ويشمل كذلك حماية روادها وقاصديها من أى أذى أو اعتداء يمكن أن ينالهم بسببها أو أثناء أداء مناسكهم وشعائرهم بها، مع تغليظ عقوبة من يعتدى على أى من ذلك سواء فى القوانين الوطنية أم الدولية .

وأكد الكتاب أن الإسلام أقر بالحرية الدينية للناس جميعًا حيث صرح القرآن الكريم بأن اختلاف الناس في معتقداتهم من سنن الله تعالى في خلقه كما في قولِه تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وهذا يقتضي ضرورة التعامل مع هذه السنة الإلهية الربانية بإيجابية لأنها تحمل في طياتها أبعادًا ومضامين تنظم علاقة المسلم بغيره من أتباع الديانات الأخرى ، وهي تتجلى إجمالًا في الإقرار بوجود هذا النوع من الاختلاف وضرورة التعايش والتعاون والتكامل معه بما يحقق النفع للخلق واكتمال العمران في الدنيا؛ فلا يكون العيش بين الشخص وذات ذلك الشخص؛ إنما يكون بين شخصين أو أكثر بينهما تمايز، ولا يقتضي هذا التعايش بالضرورة معاداة العقائد والأديان أو مخالفة أحكامها أو فصلها عن كيان الدولة أو تهميش دورها في الحياة ، أو إزالة الفروق والتمايز بينها ؛ وإنما يقصد به الاتحاد لإعمار الأرض، والتعاون في المتفق عليه انطلاقًا من القيم العليا المشتركة بين الناس.

وقال الكتاب: من هذا المعنى أَوْلَى الشرع الشريف إقامة دور العبادة وحمايتها عناية خاصة سواء في السِّلم أو الحرب ، فأهميتها لا تقل عن الاهتمام بكيان الإنسان المادي ، لكونها تمثل كيانه الحضاري والثقافي ؛ كما في قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وترسم هذه الآية الكريمة الإطار العام لشخصية المسلم ومكونات عقله؛ فقد أشار الله تعالى فيها إلى أن المسلمين في مجتمعاتهم في كل حال عليهم كالتزام تفرضه حضارتهم المنبثقة عن مقاصد دينهم أن يعنوا بإقامة دور العبادة التي يتخذها أتباع كل دينٍ وملةٍ لممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية وحفظها من الهدم، وضمانًا لأمنها، وسلامة أصحابها ، وفي ذلك يقول ابن عباس (رضي الله عنهما): “تفسيره، والبِيَع: مساجد اليهود ، وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين”. أخرجه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم في “التفسير”.

وشدد الكتاب على أن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت على القيم الإنسانية السامية ، ومن خرج عليها أو عنها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

ولخص الكتاب مفهوم الشرائع والأديان والمشتركات الدينية، فى تفسير ابن عباس عن قوله تعالى: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، قائلا: هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، وهى محرمات على بني آدم جميعاً، وهن أم الكتاب “أي أصله وأساسه”، من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار.

ويأتى هذا الكتاب بمثابة تطوير لكتاب “حماية الكنائس” الذى أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 2016م، وتم ترجمته إلى اثنتى عشرة لغة، فى إطار تناولنا للقضايا العصرية التى تتم دراستها تباعًا من خلال سلسلتى: القضايا والدراسات الإسلامية، وموسوعة المستجدات العصرية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، التى يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية .

النصوص والعهود والمواثيق تؤكد أن مبدأ حماية دور العبادة من المنظور الشرعى يُعَدُّ رابطة ضرورية قائمة على الالتزام والمسؤولية، لا على تبادل العاطفة والمشاعر المعنوية، ومن ثَمَّ يحقق الاستقرار والتآلف بين أهل البلد الواحد مهما تعددت دياناتهم وانتماءاتهم العرقية؛ فوحدتهم عبارة عن إدارة إيجابية للاختلاف وتوافقهم على التعايش السلمى وتعاونهم على النهوض بوطنهم وتقويته وتوحيد صف شعبه وكلمة أفراده فى مواجهة أى خطر يهدد هُوِيِّة هذا الوطن وسيادته واستقراره.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights