حضارة وتاريخ

المسحراتي الحلقة الثامنة ..عبد العزيز بن مروان

 

كتب : أحمد عثمان عوض 

عبد العزيز بن مروان

هو: عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.

وعند عبد مناف يلتقي نسب عبد العزيز مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبوه مروان بن الحكم رابع خلفاء بني أمية، وابن عم الخليفة الراشد عثمان بن عفان مباشرة، ويُعد في الطبقة الأولى من التابعين، عمل رئيساًً للديوان في عهد عثمان، ثم أميراًً للمدينة في خلافة معاوية.

أمه هي: ليلى بنت زبان بن الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي، من بني كلب.

أشهر إخوة عبد العزيز هو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي ولي الخلافة بدمشق بين عامي 65 ـ 86 هـ، ومنهم أيضاً بشر بن مروان الذي ولاه الخليفة الأموي على العراق وقضى على ثورة مصعب بن الزبير الذي خرج تابعاً لأخيه عبد الله بن الزبير، ومنهم محمد بن مروان أمير الجزيرة والثغور.

بُويع مروانُ بالخلافة في الجابية من نواحي دمشق في ذي القعدة 64 هـ، وكانت مصر حينئذٍ تحت إمرة عبد الرحمن بن جحدم الفهري من قبل ابن الزبير، فلما استتبَّ أمر خلافة الأمويين في الشام بتولية مروان بعد الهَرج الذي حدث إثر وفاة الخليفة معاوية بن يزيد، لم يتردد أنصار الأمويين في مصر في دعوة مروان لتخليصها من الزبيريين، فأرسل مروان جيشاً من دمشق بقيادة ابنه عبد العزيز تبعه هو بجيش آخر على رأسه خالد بن يزيد وعمر بن سعيد بن العاص، وأخوه عبد الرحمن.

حين قدم مروان إلى مصر جعل على شرطته عمرو بن سعيد بن العاص، ولما خرج ومعه عمرو جعل عبد العزيز على شرطته عابس بن سعيد المرادي، ونرى عابساً ينوب عن عبد العزيز عندما خرج إلى دمشق سنة 67 هـ، وحين توفي عابس سنة 68 هـ ولى عبد العزيز مكانه زياد بن حناطة بن حلاوة التجيبي، ولما توفي سنة 75 هـ ولى عبد العزيز على الشرطة عبد الرحمن بن حسان التجيبي، ثم ولى عليها يونس بن عطية الحضرمي سنة 84 هـ، فعبد الرحمن بن معاوية بن حديج سنة 86 هـ.

وجعل عبد العزيز على الحرس والخيل جناب بن مرثد الرعيني. زار عبد العزيز الإسكندرية أربع مرات لتأمينها وتوطيد السلطان الإسلامي فيها.

ومن أهم أعماله: أنه اهتم بأعمال الإصلاح والتعمير فأقام الأبنية والحمَّامات وكان عهده عهد رخاء وتقدم واطمئنان أقام مقياسًا على النيل لتحيد ارتفاع المياة ومقدار الضرائب.

كان عبد العزيز يقول: عجباً لمؤمن يوقن أن الله يرزقه، ويوقن أن الله يخلف عليه، ثم يدخر مالاً عن عظيم أجر أو حسن سماع، وروى الكندي أنه كانت لعبد العزيز ألف قصعة تنصب حول داره، ومئة تدار في البلد ليأكل الناس، وفي ذلك يقول الشاعر عبد الله بن قيس الرقيات:

كل يوم كأنه يوم أضحىعند عبد العزيز أو يوم فطروله ألف جفنة مترعاتكل يوم تمدها ألف قدر

بنى عبد العزيز بالفسطاط داراً للإمارة سنة 67 هـ، وجعل لها قبة مذّهبة، ومن عظم هذه الدار كانت تُعرف بالمدينة. زاد عبد العزيز مسجد عمرو بن العاص من جوانبه سنة 77 هـ. بنى المساجد والاستراحات.

كذلك أقام عبد العزيز قنطرة على خليج أمير المؤمنين عند الحمراء القصوى سنة 69 هـ ونُقش عليها اسمُه، وموقعها حالياً عند مجرى العيون في القاهرة، وقد اندثرت ورُدم الخليج نفسه بعد ذلك.

بنى عبد العزيز حلوان لكي تكون مشتى له، ثم أتخذها مركزًا لحكمه بعد أن وقع طاعون في الفسطاط سنة 70 هـ، وقد احتفر عبد العزيز عين حلوان، وأقام فيها بركة عظيمة، كما بنى فيها المساجد والأسواق وحسنها حتى قيل أنه أنفق في بنائها مئة ألف دينار، كما أنشأ في حلوان قناطر تحمل إليها الماء من عيون المقطم. وأنشأ قناطر معلقة مشيدة على أعمدة تصل الماء بالبركة غرس في حلوان الأشجار والنخيل وبنى بها المساجد والأبنية الفخمة نشر في مصر الامن والامان بفضل حسن سياسته.

تزوج عبد العزيز أم كلثوم الساعدية، وأروى الخولانية وكانتا قبله عند مسلمة بن مخلد الأنصاري. كما تزوج ليلى بنت سهل الكلابية وأنجبت له أم البنين التي تزوجها الخليفة الوليد بن عبد الملك.

وتزوج أيضاً حفصة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وماتت عنده. وتزوج كذلك أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وولدت له ابنه الخليفة عمر بن عبد العزيز.

أما عن أبناءه فأشهرهم:

الأصبغ بن عبد العزيز، وهو ابنه الأكبر وبه كان يُكنى، ويكنى الأصبغ بن عبد العزيز بأبي زبان، وكان ساعده في حكمه وقد توفي قبل أبيه بعشرين يوماً في ربيع الأخر 86 هـ.
ومن أبناءه زبان بن عبد العزیز الذي بنى له حماماً في الفسطاط، ومنهم أيضاً سهيل بن عبد العزيز.
أما أشهر أبناءه على الإطلاق فهو الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي ولد في المدينة وقيل في مصر سنة 61 هـ، وتولى الخلافة سنة 99 هـ خلفاً للخليفة سليمان بن عبد الملك، ومات سنة 101 هـ وكان يُضرب به المثل في الزهد والعدل.
محمد بن عبد العزيز بن مروان ليس له عقب.
سهل بن عبد العزيز.
عاصم بن عبد العزيز.
أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان.
وأشهر بنات عبد العزيز هي أم البنين بنت عبد العزيز التي تزوجت الخليفة الوليد بن عبد الملك.

ومن أشهر أحفاد عبد العزيز عمرو بن سهيل بن عبد العزيز الذي ثار على مروان بن محمد سنة 132 هـ، وفي عهد الخليفة المهدي العباسي خرج الثائر الأموي دحية بن مصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز الذي دعا لنفسه بالخلافة في الصعيد، وتعلق به المصريون، ودارت معارك بين العباسيين ودحية انتهت بأسره، وحُمل إلى الفسطاط فقُتل في جمادى الأخرة سنة 169 هـ وبُعث برأسه إلى المهدي في بغداد.

يروي عن أبيه وأبي هريرة وعقبة بن عامر وابن الزبير وله بدمشق دار إلى جانب الجامع هي السميساطية روى عنه ابنه عمر بن عبد العزيز والزهري وكثير بن مرة وعلي بن رباح وابن أبي ملكية وبحير بن ذاخر، وثّقَهُ ابن سعد والنسائي وله في سنن أبي داود حديث قال سويد بن قيس بعثني عبد العزيز بن مروان بألف دينار إلى ابن عمر فجئته بها ففرقها قال ابن أبي مليكة شهدت عبد العزيز عند الموت يقول «ياليتني لم أكن شيئا ياليتني كهذا الماء الجاري» وقيل قال «هاتوا كفني أف لك ما أقصر طويلك وأقل كثيرك» وعن حماد بن موسى قال لما احتضر عبد العزيز أتاه البشير يبشره بماله الواصل في العام فقال مالك قال هذه ثلاث مئة مدى من ذهب قال مالي وله لوددت أنه كان بعرا حائلا بنجد قلت هذا قول كل ملك كثير الأموال فهلا يبادر ببذله.

قال ابن سعد وسعيد بن عفير والزيادي وغيرهم مات سنة خمس ثمانين وقال ابن يونس قال الليث مات في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين قلت الأول أصح وقد كان مات قبله ابنه أصبغ بستة عشر يوما فحزن عليه ومرض ومات بحلوان مدينة صغيرة أنشأها على بريد فوق مصر وعاش أخوه عبد الملك بعده فلما جاءه نعية عقد بولاية العهد لابنيه الوليد ثم سليمان.

ولما حضرته الوفاء أحضر له مال يحصيه وإذا هو ثلاثمائة مد من ذهب، فقال: والله لوددت أنه بعر خائل بنجد، وقال: والله لوددت أني لم أكن شيئا مذكورا، لوددن أن أكون هذا الماء الجاري، أو نباتة بأرض الحجاز، وقال لهم: ائتوني بكفني الذي تكفنوني فيه، فجعل يقول: أف لك ما أقصر طويلك، وأقل كثيرك.

قال يعقوب بن سفيان، عن ابن بكير، عن الليث بن سعد، قال: كانت وفاته ليلة الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين، قال ابن عساكر: وهذا وهم من يعقوب بن سفيان والصواب سنة خمس وثمانين، فإنه مات قبل عبد الملك أخيه، ومات عبد الملك بعده بسنة سنة ست وثمانين. وقد كان عبد العزيز بن مروان من خيار الأمراء كريما جوادا ممدحا، وهو والد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وقد اكتسى عمر أخلاق أبيه وزاد عليه بأمور كثيرة. وكان لعبد العزيز من الأولاد غير عمر، عاصم وأبو بكر ومحمد والأصبغ – مات قبله بقليل فحزن عليه حزنا كثيرا ومرض بعده ومات – وسهيل وكان له عدة بنات، أم محمد وسهيل وأم عثمان وأم الحكم وأم البنين وهن من أمهات شتى، وله من الأولاد غير هؤلاء، مات بالمدينة التي بناها على مرحلة من مصر وحمل إلى مصر في النيل ودفن بها، وقد ترك عبد العزيز من الأموال والأثاث والدواب من الخيل والبغال والإبل وغير ذلك ما يعجز عنه الوصف من جملة ذلك ثلاثمائة مد من ذهب غير الورق، مع جوده وكرمه وبذله وعطاياه الجزيلة، فإنه كان من أعطى الناس للجزيل رحمه الله تعالى.

وقد ذكر ابن جرير أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أخيه عبد العزيز وهو بالديار المصرية يسأله أن ينزل عن العهد الذي له من بعده لولده الوليد أو يكون ولي العهد من بعده، فإنه أعز الخلق علي. فكتب إليه عبد العزيز يقول: إني أرى في أبي بكر بن عبد العزيز ما ترى في الوليد. فكتب إليه عبد الملك يأمره بحمل خراج مصر – وقد كان عبد العزيز لا يحمل إليه شيئا من الخراج ولا غيره، وإنما كانت بلاد مصر بكمالها وبلاد المغرب وغير ذلك كلها لعبد العزيز، مغانمها وخراجها وحملها – فكتب عبد العزيز إلى عبد الملك: إني وإياك يا أمير المؤمنين قد بلغنا سنا لا يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه قليلا، وإني لا أدري ولا تدري أينا يأتيه الموت أولا، فإن رأيت أن لا تعتب علي بقية عمري فافعل فرق له عبد الملك، وكتب إليه: لعمري لا أعتب عليك بقية عمرك. وقال عبد الملك لابنه الوليد: إن يرد الله أن يعطيكها لا يقدر أحد من العباد على رد ذلك عنك، ثم قال لابنه الوليد وسليمان: هل قارفتما محرما أو حراما قط؟ فقالا: لا والله، فقال: الله أكبر نلتماها ورب الكعبة. ويقال إن عبد الملك لما امتنع أخوه من إجابته إلى ما طلب منه في بيعته لولده الوليد دعا عليه، وقال: اللهم إنه قطعني فاقطعه، فمات في هذه السنة كما ذكرنا فلما جاءه الخبر بموت أخيه عبد العزيز ليلا حزن وبكى وبكى أهله بكاء كثيرا على عبد العزيز ولكن سره ذلك من جهة ابنيه فإنه نال فيها ما كان يؤمله لهما من ولايته إياهما بعده. وقد كان الحجاج بعث إلى عبد الملك يحسّن له ولاية الوليد ويزينها له من بعده، وأوفد إليه وفدا في ذلك عليهم عمران بن عصام العثري، فلما دخلوا عليه قام عمران خطيبا فتكلم وتكلم الوفد في ذلك وحثوا عبد الملك على ذلك وأنشد عمران بن عصام في ذلك:

أمير المؤمنين إليك نهدي * على النأي التحية والسلاما

أجبني في بنيك يكن جوابي * لهم عادية ولنا قواما

فلو أن الوليد أطاع فيه * جعلت له الخلافة والذماما

شبيهك حول قبته قريش * به يستمطر الناس الغماما

ومثلك في التقى لم يصب يوما * لدن خلع القلائد والتماما

فإن تؤثر أخاك بها فإنا * وجدك لا نطيق لها اتهاما

ولكنا نحاذر من بنيه * بني العلات مأثرة سماما

ونخشى إن جعلت الملك فيهم * سحابا أن تعود لهم جهاما

فلا يك ما حلبت غدا لقوم * وبعد غد بنوك هم العياما

فأقسم لو تخطاني عصام * بذلك ما عذرت به عصاما

ولو أني حبوت أخا بفضلٍ * أريد به المقالة والمقاما

لعقَّب في بنيَّ على بنيه * كذلك أو لرمت له مراما

فمن يك في أقاربه صدوع * فصدع الملك أبطؤه التئاما

قال فهاجه ذلك على أن كتب لأخيه يستنزله عن الخلافة للوليد فأبى عليه، وقدر الله سبحانه موت عبد العزيز قبل موت عبد الملك بعام واحد، فتمكن حينئذ مما أراد من بيعة الوليد وسليمان، والله سبحانه وتعالى أعلم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights