الحبيب النوبي يكتب للدليل نيوز
بقلم / الحبيب النوبي
مقهى ريش (Cafe Rich ) وأستاذي سعد الدين إبراهيم
المفكر الدولي الكبير ” الحبيب النوبي
كما أن للميسورين أنديتهم الرياضية والاجتماعية، فإن للفُقراء مُعادلا وظيفيا، وهو المقاهى البلدية. نعم فالميسورون القاهريون، مثلاً، لديهم أندية مثل الجزيرة، ونادى الصيد، والأهلى، والزمالك، والترسانة، والمعادى، ومصر الجديدة. ولدى السكندريين أنديتهم، مثل الاتحاد، وسموحة، وينطبق نفس الشىء على بقية عواصم المحافظات، مثل المنصورة، وطنطا، وبورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، والمنيا، وأسيوط، وقنا، وأسوان.
وكذلك للفئات المِهنية الرئيسية نقاباتها، والتى تضم مقراتها أندية لأعضائها، وأهمها الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والقُضاة، والتجاريين، والاجتماعيين، والضُباط والشرطة. بل أصبحت بعض هذه الأندية المِهنية مؤسسات متعددة الوظائف والأنشطة، ففى معظمها قاعات للمناسبات للإيجار لأعضائها بأسعار مُخفضة، ولغير الأعضاء بأسعار تنافسية مع الفنادق الكُبرى.
وتخدم أندية الميسورين، والأندية الرياضية والثقافية والمِهنية، حوالى عشرين مليون مصرى، هم قوام الثلث الأعلى من أبناء المجتمع المصرى المُعاصر، وهو شىء مرغوب ومحمود، ولكن مع زيادة الطلب على عضوية هذه الأندية، ارتفعت أسعار عضويتها إلى ما يُقارب المائة ألف جنيه، كرسوم التحاق، إلى جانب قيمة تحديد الاشتراكات السنوية.
أما الشريحة التالية من الطبقة الوسطى، التى لا تسمح إمكانياتها المادية بتِلك العضوية فى الأندية المذكورة أعلاه، فإن نقاباتهم المِهنية- المهندسين، الأطباء، المحامين، المُعلمين، التجاريين، والاجتماعيين- لها أنديتها الاجتماعية والرياضية التى تؤدى نفس الوظيفة الترويحية- الترفيهية. بل إن تِلك النقابات هى العمود الفقرى للمجتمع المدنى، والذى يُمثل بدروه الشرايين الحية للديمقراطية فى المجتمعات التعددية.
فماذا عن الشرائح الأدنى من الطبقة الوسطى، أو الطبقة الكادحة وفُقراء المجتمع، أين يذهبون للترويح عن أنفسهم أو للتواصل مع أقرانهم من الأقارب والأصدقاء والزُملاء؟.
إن الأجابة عن السؤال هى المقاهى البلدية.
فمنذ أواسط القرن التاسع عشر، مع نشأة الطبقة الوسطى فى المُدن المصرية الكُبرى- القاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات- بدأت تظهر المقاهى كأماكن للتجمع، لقضاء أوقات الفراغ واستقبال الأصدقاء وزُملاء العمل، بدلاُ من استقبالهم فى المنزل، الذى أصبح وقفا على استقبال الأقارب الذين يعيشون فى نفس المدينة، أو يفدون من القُرى والمُدن الأخرى.
ومع نهاية القرن التاسع عشر، وزيادة عدد الأوروبيين الوافدين فى ذيل الاحتلال الإنجليزى، تضاعف وتنوع عدد المقاهى، ولم تعُد كلها مقاهى بلدية. وهنا وجد بعض أبناء الجاليتين اليونانية والإيطالية فُرصاً لافتتاح مقاه على الطراز الأوروبى، وخاصة قُرب المحاكم المُختلطة، التى كانت وقفاً على الأجانب. ومن ذلك أنها لم تكتف بتقديم المشروبات المُعتادة للمصريين مثل القهوة والشاى والينسون، بل إن بعضها استحدث رُكناً فى نهاية المقهى لتقديم المشروبات الكحولية.
ومع التنوع والتباين الطبقى والمِهنى، بدأت المقاهى المتخصصة فى الظهور مثل مقاهى المحامين، والتجاريين، والحرفيين. وكان طالبو خدمات هذه المِهن يتجهون إليها فوراً فى المساء، بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية. كذلك كانت هناك مقاه يقصدها الطُلاب، إما لقُربها من مدارسهم وجامعاتهم، أو لأن أسعار المشروبات فيها أرخص من غيرها.
ويقول عُلماء الاجتماع السياسيين إن حانات مدينتى لندن وليفربول، كانت الأماكن التى شهدت ميلاد التحضير للإضرابات والمظاهرات والثورات. ويبدو أن عديداً من الطلبة المصريين الذين أرسلهم محمد على، ومن بعده الخديو إسماعيل قد شهدوا هذه الوظيفة غير المقصودة للمقاهى والحانات الأوروبية.
ولذلك لم يكن غريباً أن يتخذ عديد من شباب ثورة 1919 من مقاهى وسط القاهرة، وخاصة مقهى ريش (Cafe Rich ) محلاً مختاراً لاجتماعاتهم التنظيمية، خاصة أن ذلك المقهى قريب من ميدان قصر النيل، التحرير حالياً. وأعطاهم صاحب المقهى اليونانى الأصل غُرفة سرية فى نهاية المقهى، استخدموها لطباعة المنشورات والكُتيّبات المُعادية للاحتلال الإنجليزى. ويفخر أصحاب مقهى ريش الحالى (ش طلعت حرب) بتاريخ مقهاهم، وزيّنوا حوائطه بصور العديد من الشخصيات التاريخية التى ترددت على مقهاهم فى السنوات الخوالى. وفى آخر مرة زُرت ذلك المقهى رأيت على الحائط المجاور والمُقابل لمائدتى، صور سعد زغلول، ومكرم عبيد، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ. بصحبة الصديق والاستاذ والمعلم الأستاذ الدكتور سعد الدين ابراهيم عالم الاجتماع السياسي المعروف والذي كانت تجمعني أغلب لقائاتي به في هذا المكان علي مدار سنوات عديدة كنا نتناقش كافة القضايا وهموممنا واحزاننا وافراحنا والماضي والحاضر والمستقبل وماهو أت وكان هذا المكان جزء من الاماكن التي تجمعني بالعالم والمفكر الدولي الكبير فكان لفلته في قسم اول المعادي جلسات طويله ومثرة وبعد ذلك في فلته الاخري في مرتفعات القطامية أرض الجولف قصص وروايات ايضا علي كل حال أسال الله تعالي للصديق والاستاذ أن يمتعه وينعم عليه بالصحه والعافيه والدعاء موصول لاستاذتي الدكتورة بربارة ابراهيم زوجته وهي ايضا أستاذتي ولها أثر كبير بداخلي لامور سأسردها بالتفصيل لاحقا
وهكذا يتضح أن المقهى البلدى كانت له وظائف اجتماعية وسياسية هامة على مر تاريخ مصر الحديث. فهو الملجأ الدائم لمَنْ لا ملجأ ولا مِنبر له. وهو ما يُفسر كثرة انتشار المقاهى البلدية، لا فقط فى الشوارع الرئيسية، ولكن أيضاً فى الشوارع الفرعية، وحتى بداخل الأبنية التجارية والسكنية. ورغم الحملات الدورية التى تُشنّها الجهات الأمنية على المقاهى المُتكاثرة، والتى تُمارس عملها بلا ترخيص، إلا أنها سرعان ما تعود إلى النشاط من جديد.
والدرس الذى ينبغى أن تتعلمه السُلطات الرسمية، هو أنه طالما هناك حاجات جماعية للناس من مختلف الطبقات للتجمع والمؤانسة، أو قضاء الأعمال، فإنهم سيظلون يُنشئون ويرتادون المقاهى البلدية. فاتركوا الحال على ما هو عليه، يرحمكم الله.
وعلى الله قصد السبيل.