وفاة جيهان السادات: سيدة مصر الأولى التي غيرت حقوق المرأة
ترجمه: اسراء محمد عباس
جدير بالذكر أن، جيهان السادات كانت جالسة في المدرجات، على بعد أمتار قليلة من زوجها، عندما فتح مسلحون النار على عرض عسكري في القاهرة.
وأصيب شريك حياتها، أنور – الذي كان آنذاك رئيسا لمصر – بعدة رصاصات وتوفي بعد ساعتين في المستشفى. كان ذلك في 6 تشرين الأول/أكتوبر 1981، وتوقفت فجأة فترة جيهان التي دامت عقداً من الزمن كسيدة مصر الأولى.
هذا وقد أمضت جيهان، التي توفيت عن عمر يناهز 88 عاماً معظم حياتها مكرسة لتعزيز العدالة الاجتماعية وتمكين المرأة في مصر، واستمرت في ذلك بعد عقود من اغتيال زوجها العلني للغاية.
وفي هذا الصدد، تشير نهي بكر، الأستاذة التابعة للدراسات السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، إلي أنها “قد قادت التغيير وألهمت الأجيال القادمة”.
وعلى صعيد إخر، ولدت جيهان في القاهرة عام 1933 لأب مصري وأم بريطانية، شهدت تربية متنوعة، حيث احتفلت بالكريسماس وأكل رقائق الذرة على الإفطار بدلاً من الطعام المصري المعتاد من الفول، بالإضافة إلى الصيام كل عام خلال شهر رمضان المبارك .
وكان كرهها لعدم المساواة بين الجنسين نابعاً من أيام دراستها عندما نصحها والداها بالتركيز على مواضيع مثل الخياطة والطبخ، استعدادا للزواج، بدلا من الرياضيات والعلوم التي كان يمكن أن تؤدي إلى مهنة جامعية.
” لطالما ندمت على هذا القرار، لن أسمح أبدًا لبناتي بإغلاق مستقبلهن بهذه الطريقة “. هذا ما كتبته سيدة مصر السابقة في سيرتها الذاتية.
التقت لأول مرة بزوجها المستقبلي أنور، وهو ضابط سابق في الجيش، في سن الخامسة عشرة في زيارة لمنزل ابن عمها – بعد وقت ليس ببعيد من إطلاق سراحه من السجن للقتال ضد السيطرة البريطانية في مصر.
وعلى النقيض، كانت والدتها على وجه الخصوص مترددة في السماح بزواج ابنتها من ثوري مطلق يبلغ من العمر ضعف عمرها تقريباً، لكنه فاز بها في محادثة عن تشارلز ديكنز. وقال “انه ذكي ، ولديه شخصية، وسيعتني بك جيداً ولن تشعري بالملل أبداً.
تزوجا في عام 1949 وتمتعا بزواج دام أكثر من ثلاثة عقود، وأنجبا أربعة أطفال.
السيدة الأولى في دائرة الضوء
وبعد ثلاث سنوات فقط، أصبح زوجها اسمًا معروفًا بعد انضمامه إلى انقلاب بقيادة جمال عبد الناصر الذي أطاح بالملك المصري المدعوم من بريطانيا من السلطة، وتغيير مسار السياسة المصرية إلى الأبد.
جدير بالذكر أيضاً أن، أنور السادات تولى عدة مناصب رفيعة المستوى، وبلغت ذروتها في انتخابه رئيساً بعد وفاة ناصر في عام 1970.
من جانبها، كانت جيهان مصممة على لعب دور أكثر نشاطاً من زوجات القادة السابقين، وكثيراً ما تم تصويرها جنباً إلى جنب مع زوجها في زيارات رسمية إلى الخارج وفي بيئات أكثر حميمية، في المنزل مع عائلتهما.
هذا وقد بدأت أول غزوة لجيهان في الخدمة العامة في أواخر الستينات، عندما ألهمتها مساعدة العديد من النساء اللواتي قابلتهن في قرية ريفية تدعى تالا في منطقة دلتا النيل، اللواتي كن في حاجة ماسة إلى المال.
إلي جانب ذلك، أنشأت تعاونية مكنتهم من أن يصبحوا مهرة في الخياطة ومستقلين اقتصاديا عن أزواجهن.
ما بدأ كخمس وعشرون آلة خياطة في مبنى مهجور تحول إلى خط إنتاج أوسع بكثير، حيث تصنع أكثر من 100 امرأة 4000 زي رسمي يومياً لعمال المصانع.
في غضون ذلك، مولت مشاريع صغيرة ومكنت النساء اقتصادياً، لافتة إلي أنها سوف تقيم معارض لعرض أعمالهم وبيعها. وأدركت أنه إذا تم تمكين المرأة اقتصادياً فسيتم تمكينها سياسياً أيضاً “.
كانت جمعية تالا بداية العديد من المشاريع التي قادتها جيهان -حيث مضت في تشكيل برنامج إعادة تأهيل مصمم لقدامى المحاربين والمدنيين المعاقين في الجيش وأنشأت مشاريع للأطفال اليتامى في عدد من المدن.
قوانين جيهان
بعد عقد من الزمان، ساعدت جيهان في قيادة حملة لإصلاح قانون الوضع في مصر والذي من شأنه أن يمنح النساء حقوقًا جديدة لتطليق أزواجهن والاحتفاظ بحضانة أطفالهن.
وروت في كتابها الصعوبات التي واجهتها في إقناع أنور بدعم الإصلاحات. وفي مَعرِض حديثها عن الإصلاحات، قالت لإقناع زوجها أن “أكثر من نصف سكاننا من النساء، مصر لن تكون ديمقراطية حتى تكون المرأة حرة مثل الرجل “. “كقائد لبلادنا، من واجبك تحقيق ذلك.”
على الرغم من رد الفعل العنيف من المسلمين المحافظين، في صيف عام 1979 منح الرئيس السادات رغبتها وأصدر مراسيم لتحسين حالة طلاق المرأة، فضلاً عن القانون الثاني الذي خصص 30 مقعداً في البرلمان للنساء. هذه التدابير، التي تم تمريرها في وقت لاحق من خلال البرلمان، أصبحت تعرف باسم “قوانين جيهان”.
أشارت ميرفات كوجوك خلال حديثها أن، التي كانت تعرف جيهان شخصياً كرئيسة لجمعية زوجات الدبلوماسيات المصريات، “أفعالها وعملها غيرت وجهات نظر العالم حول المرأة العربية ومهدت الطريق أمام السيدات الأوائل في المستقبل ليلعبن دوراً أكثر نشاطًا في السياسة”.
في سن ال 41، قررت جيهان العودة إلى المدرسة والتحق بجامعة القاهرة لدراسة الأدب العربي -في نفس الوقت التحقت بالجامعة مع ثلاثة من أطفالها.
وقالت إنها سوف تذهب للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن، وفي سنواتها الأخيرة، تولت وظيفة محاضر في القاهرة والولايات المتحدة.
من جهتها، تتذكر نهى بكر مشاهدة جيهان السادات تدافع عن أطروحتها على الهواء مباشرة على شاشة تلفزيون أبيض وأسود، وقالت إن العديد من النساء – بما في ذلك هي نفسها – اعتبرن هذا مثالا يحتذى به.
في أواخر الثلاثينات من عمري، عدت إلى الجامعة لمواصلة الدكتوراه بعد إنجاب الأطفال. من ألهمني؟
بالطبع هي من ألهمتني.
الأرملة بعمر 46
في عام 1978، أصبح أنور السادات أول زعيم عربي يصنع السلام مع إسرائيل بعد سلسلة من الجهود الدبلوماسية التي توسط فيها الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر. وفي العام نفسه، حصل هو ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن معاً على جائزة نوبل للسلام.
وعلى الجانب الآخر، أغضب القرار العديد من المصريين وأدى إلى مظاهرات عنيفة ضده. حتى جيهان اعترفت بأنها تفاجأت من هذه الخطوة في البداية، ولكنها ستواصل دعم خطته.
قالت ذات مرة للصحيفة اليهودية كرونيكل في هذا الشأن : “جاءت فكرته في السلام كصدمة، ليس فقط بالنسبة لي، بل للعالم العربي بأسره”.
فبعد عامين من التوقيع على المعاهدة التاريخية التي قوبل بالإشادة الدولية ولكن بالإدانة من قِبَل العديد من حلفائه في العالم العربي، قُتِل أنور رمياً بالرصاص على يد مجموعة من المتطرفين الإسلاميين في ذلك الحدث العسكري الذي أقيم في القاهرة في ذكرى حرب مصر مع إسرائيل في عام 1973.
ذكرت جيهان أن كلاهما يعلم دائماً بالمخاطر التي واجهها في توقيع اتفاق السلام، في مقابلة مع بي بي سي في عام 2015، تذكر أنها طلبت منه ارتداء سترة واقية من الرصاص لكنه رفض: “لم يهتم أبداً بسلامته”.
وعلى أقصي تقدير، كانت جيهان في السادسة والأربعين من العمر عندما قتل زوجها. أمضت سنواتها المتبقية في محاولة للحفاظ على إرثه من السلام من خلال عملها في إلقاء المحاضرات في جميع أنحاء العالم.
السلام. هذه الكلمة، هذه الفكرة -هذا الهدف -هو الموضوع المميز لحياتي. أنا دائما آمل وأدعو من أجل السلام “، كتبت، قبل 12 عاما من وفاتها.
وفي نهاية المطاف، توفيت في وقت مبكر من صباح الجمعة جيهان السادات، أرملة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عن عمر ناهز 88 عاماً وذلك في أحد مستشفيات القاهرة التي كانت تعالج فيه منذ أيام، بعد عودتها من رحلة علاجية طويلة بالولايات المتحدة.
وقرر الرئيس عبد الفتاح السيسي منحها وسام الكمال، مع إطلاق اسمها على محور الفردوس (طوله نحو 9 كيلومترات، شرق القاهرة) بحسب بيان رئاسي.