منوعات

سامح مبروك يكتب “الباشا ابن سيادته” من سلسلة ترندات وتوباكو.

حازم إبراهيم سليمان

وقبل أن أنطق حرفًا واحدًا أتى من خلفي صوت عال يفوح بالعجرفة والتعالي يخاطب موظف الجوازات الذي يعمل على إنجاز معاملتي:
انت يا ابني، فضيلي نفسك وخلصني بسرعة انا مستعجل.

هنا تلعثم الموظف وسقطت منه الكلمات سهوًا أو عمدًا لا أدري، ومن هول الصدمة وتحت تأثير الثقة البالغة من صاحب الصوت من خلفي الذي اتضح أنه طوى صفوف البشر غير عابئ بانتظارهم ولا النظام ولا أي شيء رأيت الموظف يقفز من مقعده ويلوح بأوراقي في الهواء لكي أستردها من دون أن ينظر نحوي ويرد بتلعثم:
> أوامرك يا باشا، أخدم معاليك إزاي.

فتقدم هذا الشخص بصحبة سيدة سافرة، وبخطوات ملؤها العنجهية والكِبر نحو مكتب الموظف وأزاحني بكتفه من أمامه، دون أن يستأذن أو يعتذر وخاطب الموظف:
>> خد يا ابني خلص ورق مدام هاله بسرعة عشان احنا مستعجلين.

كانت أوراقي قد سقطت من يد الموظف في الأرض بعدما فشلتُ في التقاطها من يده وسط ارتباكه الشديد، وللأسف لم تسقط الأوراق فقط بل شعرت أن كرامتي قد سقطت هي الأخرى للتو أرضًا معها، ثم قام هذا المتعجرف بدهسها بقدميه أمام عيني بلا حول مني ولا قوة، ثار بركان من الغضب في عقلي وخرجت قذائفه من فمي لتحرق هذا المتكبر بعدما أخفقت في كبحها.
> أنت إزاي يا أستاذ تسمح لنفسك تستهين بالناس والنظام كده، فيه دور حضرتك، من فضلك دا دوري لما دورك ييجي ممكن الموظف يخلص معاملتك.
>> أستهين؟ انت مين ياد انت؟ إزاي تتجرأ وتتكلم معايا أصلًا؟ إنت عارف يا ابني انت بتكلم مين؟ اتلم يا حبيبي وخليك في نفسك وفي دورك بعد ما اقضي مصلحتي، واخرس خالص لحد ما أخلص لاني ممكن بدل ما استهين بيك أهينك قدام الناس دي كلها.

هنا كنت استشيط غضبًا وغيظًا ويبدو أن الموظف والناس من حولي قد لاحظوا هذا فأمسك الموظف بيدي وقال للرجل:
> يا معالي الباشا اللي مايعرفك يجهلك، إهانة ايه واستكانة ايه، الأستاذ بس مايعرفش إنت مين، العتب عالنظر.
وتطوع شخص آخر إلى جانبي باحتوائي تحت ذراعه وهو يهمس في أذني.
> اقصر الشر يا أستاذ، وسيبه يقضي مصلحته ويغور، الله أعلم دا يبقى مين ولا ابن مين، ما تدخلش نفسك في متاهة، وبدل مانت جاي تعمل باسبور عشان تسافر بره، يسفرك ورا الشمس، استهدى بالله وسيبك منه.

كان حطام كرامتي يؤلمني بشدة، ألمًا أغشى مسامعي وبصري، فلم أكن أسمع سوى أنفاس هذا الشيطان ولم أكن أرى سوى صورته القميئة، فصحت فيه بلا تردد:
> هو كل عيل يجي يرسم نفسه ويقول انت مش عارف انا ابن مين وياكل حق الناس بالباطل؟ لا يا ننوس لو طلعت ابن مين، وحياة الست الوالدة ما هتدخل غير في دورك ولو على جثتي.

فما كان منه إلا أن انتفض كمجنون لدغته كبرى ذات جرس وأمسك بتلابيبي وهو يصيح بصوت بلغت قوته 10 درجات لو أمكن قياسه على مقياس ريختر للزلازل:
> انت اتجننت يالا؟ أنا الضابط هاني علي مظهر ابن المستشار علي مظهر، أنا هعرفك مين أمي اللي انت جبت سيرتها دلوقتي، ومش هسيبك غير لما احبسك يالا.

هنا بدأت آلاف السيناريوهات السوداء تجول في أفق عقلي المظلم بغيمات سوداء حبلى بالكوارث، ضابط ابن مستشار، انتهت كل أحلامي واستحالت لأوهام، لا جواز ولا سفر بل إنه السجن لا محالة،  أتى من جديد صوت الرجل الذي إلى جواري يرن في أذني يؤكد ما يدور في ذهني المضطرب.

> مش قولتلك يا ابني؟ عملت في نفسك كده ليه؟ أديك وديت نفسك في داهية، لا حول ولا قوة إلا بالله.

في هذه اللحظة وقبل أن أرد بكلمة واحدة انفتح باب جانبي خرج منه ضابط قسم الجوازات بذلك النسر الذي يقبع على كتفه، والذي خرج من توه على الضجة التي افتعلناها أمام مكتبه وهو يصيح:
> في إيه يا أخونا؟ بالراحة، إيه اللي بيحصل هنا؟ مين معلي صوته؟

تقدم المتعجرف في لؤم وخبث نحو الضابط بسرعة ودنى من أذنه وهو يقول بود مفاجئ ومفتعل:
> معالي الباشا، ممكن لو سمحت كلمة على جنب؟
>> كلمة إيه يا أستاذ وعلى جنب إيه؟ إنت مين؟ وبتعلى صوتك في المصلحة بتاعتي ليه؟
> معاليك مافيش حاجة سوء تفاهم بسيط، هشرحه لمعاليك على جنب بعد إذنك.
>> جنب إيه اللي انت عايزه؟ بطاقتك لو سمحت.
> معاليك أنا هاني ابن المستشار علي مظهر.
>> بطاقتك يا أستاذ هاني لو سمحت

هنا صاح الموظف:
> الباشا بيقول أنه ضابط يا باشا.

فأجاب الضابط مدير المكتب:
> زميل بقا؟ طيب كارنيهك أو بطاقتك يا معالي الباشا.
>> معاليك مالوش لازمة الكلام في وسط الناس بعد إذنك كلمة على جنب.
> لا جنب ولا ورب بطاقتك يا أستاذ هنا بدل ما أخدها منك في القسم.

فأخرج المتعجرف بطاقته بتحرُج كبير، وكان يتصبب عرقًا وأسلمها للضابط لينظر فيها وترتسم على شفتيه ابتسامة عريضة ويصيح في الحضور:
> إنت ازاي يا ابني انتوا وهو تضايقوا معالي الباشا؟ هو مش قالكوا انه ضابط؟ بس ما قلكوش هو ضابط فين ولا إيه؟ الباشا ضابط في فرقة، بس مش فرقة صاعقة، الباشا ضابط إيقاع.

هنا ذهل الحضور منهم من فغر فاه من دون أن ينبس ببنت كلمة ومنهم من انتابته نوبة ضحك هستيرية قبل أن يتابع الضابط بحزم:
> هاني باشا، زميل بقا وكده، إحنا طبعًا ضباط زي بعض؟ إيه بقى سبب الدوشة دي؟ جاي تعمل إيه هنا؟
>> جايين نعمل باسبور مدام هالة.
> مدام هاله؟ ممتاز؟ وتقرب لحضرتك إيه مدام هاله؟ أختك وبنت سيادة المستشار بردو؟
>> لا يا باشا مدام هالة، فنانة استعراضية في الفرقة.
> الرقاصة؟ لا برافو، أهلًا مدام هاله، ما قولتليش صحيح، الوالد مستشار في أي محكمة؟

فأجاب هاني بصوت لا يكاد يتخطى حنجرته ووجه تجتاحة موجة تسونامي صفراء أعقبت آلاف الموجات من العرق:
> والدي مستشار مالي لشركة في الكويت.

* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights