تقارير

كيفية العلاج بالعمل

الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وتتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها و باختصار الحضارة هي الرقي والازدهار في جميع الميادين و المجالات

بدأت الحضارة مع بداية شعور الإنسان بنفسه و بتميزه عن غيره، فبدأ بالسؤال عن مكانته في الكون و علاقاته بالأشياء و بغيره من البشر و بالآلهة.

 

و بذلك يكون الإنسان قد اكتشف أنه حيوان ذكي يمكنه صنع الآلات، ثم حيوان عاقل يمكنه الاستنباط و البرهان.

 

و قد اعتمدث البشرية في تلك المرحلة علي قدرة الفكر النظري،و لكنها اكتشفت بعد مدة طويلة أنه مجرد فكر جدلي لا يفيد في حل المشكلات الواقعية سواء في التغلب علي الأعداء من البشر أم علي الحيوانات،فسعي إلي إبداع الأسلحة الفتاكة التي تتميز بالدقة في الإصابة و ضمان الفتك بالخصم،و قوة القتل الجماعية و القتل من مسافة تضمن سلامة القاتل.و أيضا للتغلب علي قوي الطبيعة التي تسحقه – فيضطر لعبادتها!- و إدارتها لصالحه.

 

و لكن بعد أن كان التفكير المجرد شرفا لا ينافسه فيه أي عمل مهما كان، فقد تنبه البشر إلي قيمة العمل في تحسين أحوالنا و إعطاء الأشياء قيمة إضافية.

 

و بذلك يكون العمل هو أساس الملكية الخاصة بناء علي الجانب الابداعي فيه و ليس علي أساس المواد الخام، و خصوصا بعد التطور التكنولوجي و الفكر التطبيقي و البرمجي.

 

و قد انحصر دور التفكير النظري في محاولات الدعاية و الإقناع فيما لا يستطيع العمل المساهمة في الاقناع به، و علي الافتراضات النظرية التي تتكفل التجارب بإثباتها أو تفنيدها،و أيضا علي إيجاد صيغ للتواصل و التفاهم بين المختلفين و محاولة فهم المنتجات الثقافية الابداعية الجمالية و القانونية و الدينية… إلخ.

 

هذا فضلا عن جانب النقد لجميع طرائق الفكر النظري الجدلي الذي كان سببا للكوارث و الأوضاع المأساوية التي خلفتها الحروب النظرية و الدينية خاصة.

 

و أصبحت قيمة الإنسان بما ينتجه بالعمل. و برغم اختلاف الغايات من العمل و نظمه بين النظريات الاشتراكية و النظريات الرأسمالية أو غيرها، فقد أيقن الجميع بأن الوجود الإنساني يساوي ما يبذله من عمل مفيد ؛ فالإنسان حيوان عامل و من المؤكد أن الإنسان يعمل لأنه يحب حياته و عالمه كما يحب الآخرين.

 

و يجسدالعمل أقوي القيم اجتماعيا و سياسيا و نفسيا و اخلاقيا و تعليميا:

 

اجتماعيا:

 

فالعمل يتطلب التعاون و التماسك الاجتماعي بين العمال و يخلق نظما وتعاقدات و قوانين تعبر في النهاية عن روح الجماعة و طموحاتها و طرائق تفكيرها و مناهجها في حل مشكلاتها.

 

سياسيا:

فإن الانتاج المادي هو أساس الاقتصاد السياسي، أي اقتصاد الدولة، و يحدد ترتيبها النهائي علي مدرج القوي السياسية، من حيث إن السياسة هي في النهاية تعبير عن الاقتصاد.

 

اقتصاديا:

فإن العمل يعد أساسا للملكية الخاصة بخلاف ما نرثه عن الآباء وما نستلمه من الطبيعة،بعكس نظرية الحق الطبيعي للملكية،فنحن نملك الأرض التي قمنا باستصلاحها فعلا.و بناء، علي ذلك تعد التجارة و الصناعة و الزراعة مصادر الدخل الأساسية، و تتفوق بذلك علي اقتصاديات الريع؛ لأنها قائمة علي العمل و ثماره.

 

أخلاقيا:

و بغض النظر عن استغلال أصحاب رؤوس الأموال لجهود العمال فإن للعمل قيمة أخلاقية أساسية لكونه توظيفا للجهود الرامية للمنفعة العامة او للصالح العام بتنظيم كل الأعمال الخاصة من أجل إنجاز الطموح النهائي لجموع الشعب. و بذلك تقاس قيمة العمل بمدي نفعيته و قدرته علي إسعاد المجموع طبقا لخطة شاملة للدولة.

 

و تجسد القيمة الأخلاقية للعمل إيجابيتنا و قدرتنا علي الانخراط في حل مشكلات غيرنا حتي لو كان من خلال حل مشكلاتنا الخاصة،وبالعكس فإن التبطل عن العمل او التقاعس عنه- مع القدرة عليه – يعد أكبر رذيلة أخلاقية و اجتماعية.

 

نفسيا:

 

يعد العمل تحقيقا للذات و تجسيدا لقدراتنا علي التخطيط و الانجاز. أو أنه هو ذاتنا إذا تجسدت، كما يمنحنا الشعور بالثقة و القدرة علي تغيير الأشياء فيصبح من السهل علينا تحسين أنفسنا و التغلب علي نقاط ضعفنا بتجريب البدائل المتاحة لحل ما يواجهنا من مشكلات، و ذلك بالتعاون و التفاهم و التآزر مع غيرنا، و العمل بروح واحدة لحل المشكلات ، تماما كما لو كنا نؤدي الصقوس المقدسة في جماعة!

 

تعليميا:

للعمل – بوصفه محاولات إبداعية مستمرة للتغلب علي جميع الصعوبات النظرية او الجدلية التي ليس لها حلول في الواقع العملي – أكبر قيمة تربوية و تعليمية؛ فبالعمل يمكننا التمييز بين ما له قيمة و عديم القيمة في مجال الواقع،كما يجعلنا قادرين باستمرارعلي المنافسة الحرة و الشريفة غالباً.فضلا عن تعليمنا كيف نعمل لإسعاد غيرنا و إسعاد أنفسنا من خلال إسعادهم، خاصة إذا كنا نحب أعمالنا، و نتعلم كيف نحبها بدلا من الوقوع فريسة لأمراض الانطواء و الادعاء و المنافسة بالحقد و الغباء، بما ينشر الفتن و المؤامرات و البغضاء علي مستوي المجتمع بصفة عامة و في مجتمع العمال بصفة خاصة.

 

و الخلاصة :

يعد العمل علاجا فرديا و جماعيا ناجياً لكل الأمراض النفسية و الاجتماعية و أعظم ترياق للتخلف الحضاري،لذلك يجب نشر ثقافة العمل و تقديره، و تعزيز قيمة الإبداع الخاص و الجماعي ف نفوس الناس، و في جميع القطاعات و من خلال الأسرة و جميع المؤسسات.

ِِAKmal ELnashar

صحفي وكاتب مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights