حضارة وتاريخ

دخول الليبين واحتلالهم مصر

 

كتبت:سعاد رافت

 

مرت مصر ف تاريخها القديم بمراحل تراوحت بين كبوة وإزدهار ولكنها حتي ف أحلك الأوقات ظلت تتمتع بحضارة عظيمة عرفت خلالها أرقي مستويات الفن والآدب، وف فترات عزها وقوتها كان الفكر هو إبداعها الحقيقي فتوصلت إلي عبادة اله واحد، فنحن هنا اليوم لنحدثكم عن موضوع من أهم مواضيع التاريخ القديم، إنه إحتلال ليس كأي إحتلال عادي، إحتلال استمر لمدة قرنين من الزمن، ف الكثير يعتقد أن جميع الأسر الفرعونية مصرية الأصل والمنشأ، لكن الشواهد التاريخية تؤكد إستقرار ووصول بعض العناصر الأجنبية الي عرش مصر، ففي هذا المقال نحدثكم عن أسرة من هذه الأسر والتي احتلت مصر قرنين من الزمن وهي الأسرة الأمازيغية، فعنوان مقالنا هو ” الاحتلال الليبي لمصر”

 

_ من هي الأسرة الأمازيغية؟

 

سميت بالاسرة ال 22، وتأسست علي يد الفرعون شيشنق الذي كان من أصول أمازيغية ليبية عام 945 قبل الميلاد.

 

كيف دخل الليبيون مصر؟

 

لم يكن هذا الاحتلال هو المرة الأولي التي يدخل فيها الليبيون مصر فقد حاولوا احتلالها مرتين قبل هذا.

 

_ دخول الليبين مصر

 

كان المشاواش أو المشواش جاءوا الي أفريقيا مع شعوب البحر التي كثيرا ما وضعت غزواتهم المتتالية مصر ف خطر قبل ذلك بقرن أو قرنين وسرعان ما فرضوا أنفسهم علي السكان الأصليين وعلي القبائل المهاجرة، وأنهم هم الذين شرعوا ف غزو الدلتا ف عهد رمسيس الثالث فلما صدهم فرعون مرتين تراجعوا عن فرض أنفسهم بالقوة ولكنهم نجحوا ف التسلل سلميا ولما كانوا من القوم المحاربين فقد إستعان بهم ملك مصر كمرتزقة، وهكذا إستطاعوا أن ينشئوا ف مصر جاليات سرعان ما عظمت أهميتها وكان يرأس كل حامية رئيس يحمل لقب الرئيس الكبير ل “ما” ونري أن أمير إهناسيا قد دفن إبنه ” النمرود” أو ” نملوت” طبقا للعادات المصرية ف أبيدوس.

 

_ الحملة الليبية الأولي

 

دخل الليبين مصر ف العام الخامس من حكم رمسيس الثالث أي حوالي 1179 قبل اليلاد، أتي من الغرب من بلاد ” التمحو” حلف يتألف أساسا من قبائل ” الربو” معهم المشواش بالإضافة إلي إسمين لم يظهروا من قبل من أسماء شعوب الشمال ” الفلست” و ” الثكر” وكان سبب هذا الهجوم هو محاولة الملك التدخل ف شئون التمحو الداخلية وذلك بفرض ملك شاب عليهم من جنسهم ورباه ف مصر وكان الرفض هو رد الليبيو، فنفذ الحلفاء إلي مصر وتجمعوا ف مكان لم يتضح علي وجه الدقة وعقدوا النية علي ان يهجموا مجتمعين علي منف، ولكن رمسيس الثالث لو يترك لهم الفرصة فهاجمهم وأنتصر عليهم وذبح الكثير منهم وترك جثثهم أكواما كالأهرامات كما قبض علي الكثير من الأسري. وهكذا بانت المحاولة الأولي بالفشل.

 

_ الحملة الليبية الثانية

 

لم يمتنع الليبيو عن التحرش بمصر إذ أنهم حاولوا مرة اخري وكان هذا ف العام الحادي عشر من حكم رمسيس الثالث أي حوالي 1173، تقدم جيش الأعداء نحو منف وهناك التحم مع الجيش المصري بقيادة فرعون الذي أذاقهم الهزيمة فقبض علي عدد كبير من الأسري ومن بينهم الأمير ” مششر” ولذلك لم يحاولوا التحرش بمصر أو التسلل والإستقرار ف أراضيها لمدة طويلة من الزمن حتي جاء عهد شيشنق الأول.

 

_ من هو شيشنق الأول

 

يعود نسب شيشنق إلي قبيلة المشواش التي سكنت ليبيا، وينتمي إلي أسرة من مدينة إهناسيا، وكان جده الأعلي ” بويو واوا” مستقرا بإحدي واحات الصحراء الليبية ف جنوب غرب مصر، ولذلك عرفت أسرته لدي المهتمين بالتاريخ القديم بإسم الأسرة الليبية، وأستمر حكم شيشنق الأول لمدة 21 عام وتزوج من الملكة ” كاروماما”.

 

_ صفاته الجسدية

 

بعد فحص الهيكل العظمي لشيشنق تم معرفة ان طوله كان 166 سم، وأنه كان قوي البنية، رأسه ضخم علي جسده القصير وعينه اليمني أعلي من عينه اليسري، وفمه محدب نتيجة فقده لأسنان كثيرة، وأنه توفي عن عمر 80 عام، وعند موته كان يعاني بمرض الروماتيزم ف الأنسجة الرابطة للعمود الفقري.

 

_ هل حقا ذكر إسم شيشنق الأول ف التوراة ؟

 

قيل أنه ذكر إسمه ف التوراة وذلك عندما قام بالإستيلاء علي مدينة أورشليم وهي القدس الحبيبة حاليا.

 

_ الحملة الليبية الثالثة ،أو ما يعرف بالإحتلال الليبي لمصر

 

من بداية حكم ” شيشنق الأول” حتي حكم ” أوسركون الثاني ” نجد أن سلسلة الفراعنة كانت متصلة وأن مصر ف هذه الفترة كانت مملكة موحدة فكان الوجه القبلي والوجه البحري موحدين توحيدا قويا تحت صولجان واحد، وأنه أخذ أمراء الدلتا الصغار ينسبون لأنفسهم صفات الملك وألقابه وقد ساعد علي ذلك ضعف الحكومة المركزية، وإليكم تفاصيل الإحتلال :

 

– كانت الصحراء الغربية لمصر والشرقية بالنسبة لليبيا كانت ف زمن الفراعنة تتبع ليبيا وتسكنها قبائل ليبية مثل التمحو والتحنو وهي قبائل ورد ذكرها منذ الأسرة الفرعونية الأولي، وذلك ما جعل البعض يميل الي القول بأن الليبين دخلوا مصر بطريقة سلمية ف حين يقول البعض الأخر أنهم دخلوها بالقوة.

 

– وتذكر الدكتورة زكية يوسف ف كتابها ” تاريخ مصر القديم” ” أن جماعات من قبيلتي المشواش والليبو المقيمين ف جاليات إلا أنهم سرعان ما تمصروا وتحولوا إلي الديانة والعادات المصرية”.

 

– وفي تصريح ل ” أصوات مغاربية” يقول رئيس قطاع الآثار المصرية الدكتور يوسف خليفة ” ان مصر كانت لها حدود عربية مع ليبيا وكانت لمصر نشاطات إقتصادية وإتصالات ثقافية وإجتماعية وجاءت بعض الهجرات من الغرب، فأتي بعض الليبين إلي مصر فرادي وجماعات، وكونوا جالية وتصاهروا وتجاوزوا حتي إستطاعوا أن يصلو للحكم”.

 

– وفي ظل الفوضي التي كانت تمر بها البلاد ظهر شيشنق وبدأ يعد خطة صامته ولكنه لم يلجأ إلي خلع الفرعون سبوسنس الثاني ولكنه إنتظر موته وف هذه الفترة قام بتوطيد مركزه العسكري والديني ف الدولة وأدرك منذ البداية أنه ليحكم هذه البلاد عليه أن يكسب ود الشعب المصري وذلك بالحفاظ علي مورثاتهم ومعتقداتهم الدينية التي كانوا يعتزون بها وساعده علي سيطرته نفوذ عائلته الديني ف البلاد، ويتضح من النقوش المصرية أن والد شيشنق ورث أجداده ف رئاسة الكهنة ف طيبة، وحمل لقب الكاهن الأعظم.

 

– وبعدما إستولي شيشنق علي الحكم بكل هدوء ومن دون مقاومة من أحد أعلن قيام الأسرة ال 22 وكان ذلك عام 940. وف عهده غير الكثير من شكل الحياة ف مصر وكتب ف إحدي الصخور ف وادي الملوك مصورا أقوي المعارك التي قادها منتصرا وحكمت أسرته من بعده لمدة 250 عام

 

_ أهم اعماله بعدما إستولي علي الحكم

 

– أول عمل قام به هو تعيين إبنه ” أوبوت” كاهنا أعظم ف طيبة ليضمن السيطرة علي هذا المركز الهام.

 

– بدأ تنفيذ برنامج عمراني واسع ما تزال آثاره الخالدة موجودة حتي هذا اليوم منها بوابة ضخمة تعرف الآن ببوابة شيشنق .

 

– سجل إنتصاراته الساحقة علي إسرائيل ف فلسطين علي جدران معبد الكرنك.

 

– ولا تزال هناك العديد من الآثار الموجودة ف متحف ” بروكلين” ومن هذه الآثار تمثال أبو الهول الخاص به وهو ف حالة جيدة.

 

– بعد دخوله ف حرب مع إسرائيل ضم بلاد الشام ومصر والسودان ف دولة واحدة، ولذلك قال البعض أنه من المؤكد أن ليبيا كانت مقاطعة مصرية وأن شيشنق الذي تعتز به القبائل الأمازيغية هو الذي جعل التقويم الشمسي مشهورا ف العالم القديم متأثرا بالمصرية حتي ف الزي والعبادة مما يعني أنه ملك مصري خالص، وأستطاع أن يتولي حكم مصر وديا وسلميا وليس كمحتل كما يقولون.

 

_ وأخيرا يذكر أن حكم الأسرة الليبية لمصر إنهار بعد قرنين من الزمن لأسباب متعددة من بينها قيام بعض رؤساء الكهنة بتحدي حكمها.

 

هذا وقد إنتهت جولتنا معكم اليوم مع هذا المقال ” الإحتلال الليبي لمصر” وإليكم هذا : هل حقا تولي شيشنق حكم مصر وديا وسلميا وإن كان وديا كما يقولون لماذا قيل عنه إحتلال، أم انه إحتل مصر حقا؟؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights