أقلام حائرة

متى أرى اليوم الذي يعلن فيه قصر ثقافة بلبيس عن بدء نشاطه من جديد؟

 

بقلم: جمال حامد

 

مازلت أحتفظ في وجداني ببقايا حلم جميل فقد كنت دائم الترداد على هذا المكان الذي طالما أمتعنا بأنشطته المتعددة قي شتى الميادين والمجالات الشعر والموسيقى والأدب والمسرح والفنون الشعبية وغيرها كان بالنسبة لي بمثابة  نبع ثقافي فياض نرتشف منه انطلاقة الغد المأمول وكان آخر عهدي به وهو ينازع من أجل الحياة لقائي مع الأستاذ فؤاد وحيش رحمة الله عليه حيث كان يجلس على مقعد في مواجهة المكان وقابلني بحرارة وقال لي للأسف انتهى الحلم الجميل ثم بادرني رحمة الله عليه بنظرة مؤلمة وقال لي هل تعلم أن جميع إخوتي انتقلوا إلى رحمة الله لم يعد إلا أنا وسوف أموت قريباً انا اشعر بذلك قلت له يا رجل لكل أجل كتاب لا تفكر في هذا الموضوع متعك الله بالصحة والعافية والحياة الطيبة لكن بعد ذلك علمت بأنه انتقل إلى رحمة ربه ليلحق بالراحلين ( رحمة الله عليهم).

كان قصر ثقافة بلبيس منارة ثقافية تشع بضوئها على كل راغب في التزود بالثقافة في مفهومها الأوسع والأعم حتى أننا على مستوى قريتنا الصغيرة ( حفنا) كنا نحاكي دور قصر الثقافة من خلال إنشاء فرقة مسرحية تحت اسم ( فرقة حفنا للفنون المسرحية ) حرص عليها وكان يدعمها بفنه وفكره الفنان الكبير عبد القادر الحسيني حيث كان يجمعنا في الأجازة الصيفية في منزله للتدريب على المسرحية التي سنقدمها لأهل قريتنا وكانت ليلة من ألف ليلة حفاوة وحباً وتكريما وبعد أن تركنا الأستاذ عبد القادر الحسيني حرصنا على مواصلة الطريق كان معي البشمهندس محمود مهدي والدكتور رضا اليماني والأستاذ سعيد الشيخ علي والأستاذ طلال عبد الرحمن وبقية شباب القرية  كنا نبني مسرحا في ( الجرن) بجهود ذاتية ونعلن في أهل القرية عن موعد الحفل المسرحي .

 

وفي المساء يجتمع أهل القرية  جميعهم رجالا ونساءً للاستمتاع بما نقدمه من مسرحيات واسكتشات فنية وأغاني شعبية  ومسابقات فنية ومن العجيب أن أثر الحفل كان يظل عالقاً في وجدان أخوتنا من الفلاحين البسطاء طوال العام حتى أنهم كانوا أحيانا ينادون علينا بأسمائنا في المسرحية كما كان لنا دور كبير خلال فترة حرب الاستنزاف بدءً من عام 1970 فقد قمت أنا وصديقي الدكتور رضا اليماني بتأليف مسرحية مشتركة بعنوان ( لن نهدأ ) والغريب ان أفكاري كانت تتلاقى مع أفكار أخي الدكتور رضا اليماني بشكل عجيب وأذكر ليلة  المسرحية قدمها على المسرح أخي المهندس حفني حامد ( رحمة الله عليه) فقد عايش معي المسرحية واقتنع بها فقام بتقديمها لنا على المسرح وشرح أهداف المسرحية والغرض منها للجمهور قبل صعودنا على المسرح .

 

كانت أيامنا جميلة هادئة محبة قلوبنا متآلفة على قلب رجل واحد يجمعنا نسق اجتماعي إنساني نابع من العادات والتقاليد التي نشأنا وتربينا عليها  كما كان بنادي حفنا الرياضي مكتبة بمقر النادي حيث وفيها كتب متنوعة كان الكتاب الدوار يمر على طلاب البلدة جميعهم .

 

لم تكن قد ظهرت في البلدة ولا غيرها تلك التوجهات المتشددة والرؤى الغائمة وصكوك الغفران التي منحها البعض لنفسه بان في يديه مفاتيح الجنة والنار .

 

كنا ننطلق وفق رؤية وطنية وأمل مستقبلي لا تغيرنا أو تبعدنا عنه حدود وعلى الرغم من  كل ذلك كنا نؤدي الصلاة في أوقاتها جماعة وكنا نصحو مع تنبيه الشيخ على أبو مهدي ( على نسمة) لنستقبل صلاة الفجر معه مستمتعين بندائه العذب الرخيم ( ياعباد الله قوموا وحدوا الله الصلاة خير من النوم) ما زال صداها يتردد في أذني ووجداني الى اليوم فلم يكن بيننا شخص غير سوي أو عابث أو مغازل كانت متعتنا ساعة الأصيل عندما نخطوا على البساط الأخضر بين مزارع قريتنا ونسمع السيدة أم كلثوم وهي تشدوا بصوتها العذب الرخيم كانت رحلة من الأحلام كل أصيل كان غرامنا بالجنس الأخر أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة .

 

كما كنا نذهب إلى  قصر ثقافة بلبيس بين الحين والأخر إذا كانت هناك مسرحية أو أمسية شعرية  وكان من بين الشعراء الذين نستمتع بإبداعاتهم على قصر ثقافة بلبيس عمي سعيد الحضري وابراهيم خورشيد ومحمد الاطير ومنير مصطفى وغيرهم كما كانت فرق المسرح القومي تأتي لعرض مسرحياتها على مسرح قصر ثقافة بلبيس .

 

فقد كان لقصور الثقافة دور كبير في إثراء الحركة المعرفية منذ نشأتها تحت اسم الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1945م ثم تغير اسمها إلى الثقافة الجماهيرية عام 1965م وفي عام 1989م صدر القرار رقم 63 لتتحول إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة تحت أسم( الهيئة العامة لقصور الثقافة) وتتبع وزارة الثقافة..

 

وكانت القاضية

بدء انحسار وانهيار دور قصور الثقافة عندما حدث حريق في قصر ثقافة بني سويف عام 2005م فصدر قرار بغلق جميع قصور الثقافة حتى يتم  تجهيز أدوات الحماية لها من الحريق وغيرها ومن يومها وحتى الآن لم تعمل هذه القصور ولم تؤد دورها المنوط بها في خدمة الثقافة الجماهيرية

ومن خلال جريدتنا أطالب وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم في تفعيل دور قصور الثقافة وتنشيط دورها في المحافظات والمراكز حتى تؤدي دورها على النحو الأمثل في إذكاء روح الابتكار وتبني المواهب وتشجيع الدراسات ونشر الثقافة المسرحية بين المواطن ورفع مستوى التذوق الموسيقي والأدبي وتنشيط حركة الفنون التشكيلية والقضاء على ظاهرة العنف والإرهاب التي يشغل بها البعض شبابنا تحت مسمى الجهاد وغيره .

فمتى أرى اليوم الذي يعلن قصر ثقافة بلبيس عن عودة نشاطه من جديد في الشعر والموسيقى والمسرح .

 

 

 

ِِAKmal ELnashar

صحفي وكاتب مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights